تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان رحمه الله من جيل الدعاة الأدباء الروّاد الذين تَرَبَّوْا وصُنِعُوا على عين سماحة الشيخ الداعية الإسلامي الكبير والمفكر الإسلامي الشهير أبي الحسن علي الحسني الندوي – رحمه الله – (1333 - 1420هـ = 1914 - 1999م) وتخرّجوا عليه في العلم والفكر والدعوة والمجاهدة في سبيل الدين، فكان مُصْطَبِغًا بصبغته في كثير من الجوانب التي يمكن أن يَتَشَرَّبَها أحد في صحبة أحد؛ فعبّها عبًّا، وارتوى منها بشكل لم يفارقه "سكرُها" للحظةِ حياته؛ فظلّ يتغنّى بها، ويتحدّث عنها، ويكتب فيها، ويدعولها، ويصدر عنها، في جميع ما يقوم به من العمل والنشاط في حياته. وكانت صبغتُه هذه تتبدّى في حركاته وسكناته؛ لأنها كانت مُسْتَوْلِيَةً على أعصابه، مُتَحَكِّمَةً في تفكيره. جزى الله كلا الشيخين: الأستاذ والتلميذ خير ما يجزي عباده المحسنين.

وكان – رحمه الله – كريم النفس، شريفَ الطبع، سمح الصدر، سخي القلب في كل من تعامله مع غيره، واستضافته لأحد، وفي كتاباته و خطاباته، ومُعَايَشَتِه لأهله ولغير أهله. وكان يَتَجَسَّد ذلك في كل ما يقول ويكتب ويعمل. فكان يحترز من كل ما يؤذي أحدًا، وكان يختار من الكلمات والفقرات ما يَرُوْعُ معنىً، ويَجْمُلُ مبنىً، ويَسُرُّ مَحْمِلاً، ولا يبتدر من قلمه أو لسانه ما يُسِيْءُ إلى أحد شكلاً أو معنى. فإذا ظنّ أحدٌ أن لفظةً في قوله أو قلمه آذته بن معنى. فقرات ما يَرُوْعُ معنىً، ويَجْمُلُ مبنىً، ويَسُرُّ مَحْمِلاً، ولا يبتدرحو من الأنحاء، وشكا إليه تَأَذِّيَه لسوء فهم أو خطأ واقع في الحمل على المعنى، بَادَرَ إليه بالاعتذار. وكان كثيرَ الاعتذار إلى الإخوان. وكان رقيقَ القلب، طَيِّعَ الدمع، سريعَ البكاء. ووجهُه كان ينمّ عن السهرِ ليلاً والتحرّقِ نهارًا، ومحاسبةِ النفس في كلّ وقت، والاستغناءِ عن عيوب الآخرين بالنظر المتصل في عيوبه هو؛ فكان شأنُه شأنَ المؤمن الصادق يزن كلّ حركة وسكون يصدر منه زنةً دقيقةً، ويحاول أن يقيس نفسَه بمقياس عادل كلَّ لحظة منشغلاً بذلك عن الالتفات إلى نقائص الآخرين، التي قَلَّما يخلو منها إنسان خُلِقَ من التراب. ومن شُغِلَ بعيوب نسفه جُمِعَتْ له سعادةُ الدنيا والآخرة.

نزلتُ عليه ضيفًا على دعوة منه وقتَ التسحّر في بيته في مكة المكرمة، لدى إحدى قُدُمَاتي إليها في أواسط العقد الثاني من القرن 14 الهجري. فوجدتُه منتظرًا بالباب بمجرد اتصالي به هاتفيًّا من جدّة. وأشبعني – رحمه الله – في هذا الوقت المبارك، في المكان المبارك، في البلد الأمين، وبجوار الحرم الكريم، أكلاتٍ شهيّة، إلى جانب أحاديث شهية، وحفاوة بالغة مما ترك في نفسى أحسنَ الأثر الذي لن يزول مادمتُ حيًّا، وجعلني أواصل له الدعاء منذ أن وُفِّقْتُ أن أُوَاصِلَه لكل من المحسنين والمحبين والمعارف. فجزاه الله خيرًا، وأسكنه بجوار نبينا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم في جنة الفردوس، مُبَدِّلاً جميعَ زلاّته حسناتٍ مُضَافَةً إلى حسناته الكثيرة التي هو تعالى أعلم بها.

وقد كان الشيخ عبد الله – رحمه الله – يعيش حياةً بسيطةً كلَّ البساطة، رغم ما وَسَّعَ الله عليه في الرزق من خلال شغله لمناصب عديدة ذات أهميّة مدرّة للخير. وكان يهتم بالمخبر أكثر من اهتمامه بالمظهر. كل من لقيه حسبه – إذا لم يكن يعرفه من ذي قبل – رجلاً عاديًّا. وكان يتعامل مع الكل كرجل عاديّ، فلا يتبنّى الأنفةَ والأُبَّهَةَ في شيء من شؤون حياته، فكان يلاقيه ملاقيه دونما تردّد أو إعداد وترتيب مسبق فلا يُقَابَلُ منه قطّ بزجر أو ملام أو استياء، وكان يفاتحه كلُّ صغير وكبير في أي موضوع دون تحضير ذهني يحتاج إليه المرأ لدى ملاقاته أو محادثته مع كبير في العلم والدين، احتلّ مكانةً مرموقةً في المجتمع، وكَسَبَ سمعةً طيبةً واحترامًا بين الناس. كان التواضع شعاره ودثاره، عنه يصدر في كلّ من وظائف الحياة. ومن كان كذلك لايهابه أحد من زائريه إلاّ فيما يتعلّق بحقوق الله عزّ وجلّ الذي الكلُّ مُطَالَبٌ بها صغيرًا كان أو كبيرًا. وكان على سيرة عالم يحترم علمَه الذي حَصَّله بجهد كبير وفي وقت طويل وبعد معاناة في الحياة غير يسيرة، فيلتزم بمقتضياته ويعمل بها، ولايُهْدِرُ قيمتَه بإهمال العمل به.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير