وقد ربى الملك عبدالعزيز الفيصل أيده الله غلاتهم المتشددين منذ سنتين بالسيف تربية يرجى أن تكون تمهيداً لإصلاح عظيم ـ في الحاشية: يشير إلى فتنة فيصل الدويش الذي سجن بالرياض ومات سنة 1351هـ ـ ثم اطلعت على أكثر كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب ورسائله وفتاويه، وكتب أولاده وأحفاده ورسائلهم ورسائل غيرهم من علماء نجد في عهد النهضة التجديدية؛ فرأيت أنه لم يصل إليهم اعتراض ولا طعن فيهم إلا وأجابوا عنه، فما كان كذباً عليهم قالوا {سبحانك هذا بهتان عظيم}، وما كان صحيحاً أو له أصل بينوا حقيقته وردوا عليه، وقد طبعت أكثر كتبهم، وعرف الألوف من الناس أصل تلك المفتريات عنهم.
ومن المستبعد جداً أن يكون الشيخ أحمد دحلان لم يطلع على شيء من تلك الكتب والرسائل وهو في مركزه بمكة المكرمة على مقربة منهم، فإن كان قد اطلع عليها ثم أصر على ما عزاه إليهم من الكذب والبهتان ـ ولا سيما ما نفوه صريحاً وتبرؤا منه ـ فأي قيمة لنقله ولدينه وأمانته؟ وهل هو إلا ممن باعوا دينهم بدنياهم؟
ولقد نقل عنه بعض علماء الهند ما يؤيد مثل هذا فيه.
فقد قال صاحب كتاب " البراهين القاطعة على ظلام الأنوار الساطعة " المطبوع في الهند: (إن شيخ علماء مكة في زماننا ـ قريب من سنة 1303هـ ـ قد حكم ـ أي أفتى ـ بإيمان أبي طالب، وخالف الأحاديث الصحيحة لأنه أخذ الرشوة الربابي القليلة من الرافضي البغدادي. اهـ.)
وشيخ مكة في ذلك العهد هو الشيخ أحمد دحلان الذي توفي سنة 1304هـ، وصاحب الكتاب المذكور هو العلامة الشيخ رشيد أحمد الكتكوتي مؤلف كتاب " بذل المجهود شرح سنن أبي داود "، والخبر مذكور فيه، وهو قد نسب إلى أحد تلاميذ مؤلفه الشيخ خليل أحمد، والصحيح أنه هو الذي أملاه عليه وهو كبير علماء ديوبند في عصره رحمه الله.
وإذا فرضنا أن الشيخ أحمد دحلان لم ير شيئاً من تلك الكتب والرسائل، ولم يسمع بخبر عن تلك المناظرات والدلائل، وأن كل ما كتبه في رسالته قد سمعه من الناس وصدقه، أفلم يكن من الواجب عليه أن يتثبت فيه، ويبحث ويسأل عن كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب ورسائله ويجعل رده عليها، ويقول في الأخبار اللسانية قال لنا فلان أو قيل عنه كذا، فإن صح فحكمه كذا؟
إن علماء السنة في الهند واليمن قد بلغهم كل ما قيل في هذا الرجل، فبحثوا وتثبتوا وتبينوا كما أمر الله تعالى، فظهر لهم أن الطاعنين فيه مفترون لا أمانة لهم، وأثنى عليه فحولهم في عصره وبعد عصره، وعدُّوه من أئمة المصلحين المجدِّدين للإسلام ومن فقهاء الحديث كما نراه في كتبهم.
وقال السيد رشيد أيضاً في نفس المقدمة (ص: 10) ـ باختصار ـ:
كان الشيخ محمد بشير السهسواني رحمه الله تعالى من فحول علماء الهند وكبار رجال الحديث فيهم، ومن النظار الجامعين بين العلوم الشرعية والعقلية مع العمل بالعلم والتقوى والصلاح، وهو قد اجتمع بالشيخ أحمد دحلان في مكة المكرمة وناظره في التوحيد الذي هو أساس دعوة الوهابية وأقام عليه الحجة، ولما عاد إلى الهند ألف كتابه هذا .....
هذا هو كلام الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى، وكفى به رداً على مفترياتك ياختني.
وأسأل الله العلي القدير أن يهديك إلى الحق ويردك إلى الصواب.
الداعي لك بالهداية / أبومحمد.