توفيت كريمة المروزية (رحمها الله تعالى) سنة (463)، كما ترجم لها الحافظ ابن الجوزي في وفيات هذه السنة من تاريخه ((المنتظم في تاريخ الملوك والأمم))، [8: 270].
وكذا ترجم لها مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي في وفيات هذه السنة من كتابه ((العبر في خبر مَن غبر))، [3: 254].
وقد ترجم لها جماعة من المؤرخين، منهم: ابن الأثير في الكامل، وابن الجوزي في المنتظم، والذهبي في السير، وفي العبر، وابن كثير في البداية والنهاية، وابن العماد في شذرات الذهب، والزركلي في الأعلام، وغيرهم.
وهي قطعاً ليست من شيوخ البخاري، بل هي من تلامذة تلامذة تلاميذ البخاري، وقد روت الصحيح عن أبي الهيثم محمد بن المكي الكُشْمِيهني، وغيره، وبينها وبين البخاري أكثر من مائة عام، فقد توفي البخاري رحمه الله في منتصف القرن الثالث سنة (256)، وولدت كريمة المروزية بعد منتصف القرن الرابع سنة (363)، وتوفيت بعد منتصف القرن الخامس سنة (463).
والذي يظهر أن سبب الوهم في كون البخاري أخذ عنها أنها اشتهرت برواية صحيحه وإسماعه، فارتبط اسمها باسم صحيح البخاري، فلا يكاد أحد يترجم لها إلا أشار إلى ذلك، ثم انتقل ذهن من توهم المشيخة بينهما إلى الربط الذهني بينها وبين البخاري، فتوهما من مشايخه. والله أعلم.
ونظير هذا الوهم في كون كريمة المروزية شيخةً للإمام البخاري ما وقع فيه بعض من قام بتحقيق: طبقات الحفاظ للذهبي، وطبقات الحفاظ للسيوطي، وذلك حينما أورد في الفهارس المحدثة كريمة على أنها شيخةٌ للإمام أبي شامة المقدسي، وهو من علماء القرن السابع، ذكر هذا المحقق: أنها كريمة بنت أحمد المروزية، ولعل ذلك لشهرتها.
والصواب أنها كريمة أخرى، وهي: كريمة بنت عبد الوهاب الشامية، التي ترجم لها الذهبي نفسه في تذكرة الحفاظ، حيث أوردها في وفيات سنة (641)، وقال [4: 1434]: ((وفيها ماتت مسندة الشام، أم الفضل، كريمة بنت المحدث عبد الوهاب بن علي بن الخضر، القرشية، الزبيدية، توفيت سنة (641)، عن (95) سنة)).
وقد ولد الإمام أبو شامة (وهو: عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم) سنة (599)، وتوفي سنة (665)، فكيف يسمع من كريمة المروزية مع أنها توفيت قبله بنحو قرن ونصف سنة (463)؟ *
ولكريمة المروزية والشامية نظائر كثيرات من النساء العالمات المحدثات في القرون الأولى، بل وفي القرون المتأخرة ممن قمن بتدريس العلوم، ولا سيما علم الحديث ...
ومن العلماء الكبار الذين أخذوا العلم – ولا سيما الحديث والرواية - عن بعض النساء: الإمام الزهري، والإمام مالك بن أنس، والإمام أحمد، وأبو يعلى الفراء.
وكذا: أبو سعد السمعاني، وابن عساكر، وأبو طاهر السِّلَفي، وابن الجوزي، والمنذري، وابن القيم، والذهبي، وابن حجر. رحمهم الله تعالى ...
وفي هذا المثال أو هذين المثالين حث للأخوات الكريمات على طلب العلم، والصبر على تحصيله، والحرص على نفع الناس به، ولا سيما في هذا العصر الذي- مع كثرة الملهيات فيه - تنوعت فيه سبل طلب العلم، وتعددت وسائل نشره بما يفوق الخيال، وقد أقام الله بذلك الحجة على عباده، وقطع عنهم المحجة، فلله الحمد والشكر والمنة والثناء الحسن، ونسأله المزيد من فضله وتيسيره ((وقل رب زدني علما)).
وأختم بسباق ترجمة العالمة كريمة المروزية من الكتاب العظيم ((سير أعلام النبلاء))، لمؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي، قال (رحمه الله تعالى):
((الشيخة، العالمة، الفاضلة، المسنِدة، أم الكرام، كريمة بنت أحمد ابن محمد بن حاتم، المروزية، المجاورة بحرم الله.
سمعت من: أبي الهيثم الكشميهني صحيح البخاري، وسمعت من زاهر بن أحمد السرخسي، وعبد الله بن يوسف بن بامويه الأصبهاني.
وكانت إذا روت قابلت بأصلها.
ولها فهم ومعرفة مع الخير والتعبد.
روت الصحيح مرات كثيرة، مرة بقراءة أبي بكر الخطيب في أيام الموسم.
وماتت بكرا لم تتزوج أبدا.
¥