ولقد عرف الشيخ بأسلوبه اللين مع طلابه وتحسسه للفقراء والمساكين منهم ومساعدته لهم خاصة طلاب العلم الذين يأتون من بلاد بعيدة. فهو يبدي لهم الاهتمام البالغ ولا يقصر في الاحتفاء بهم وإكرامهم، وربما أخذ الواحد منهم إلى بيته ليؤنسه ويخفف عنه مرارة الاغتراب وقساوة البعد ومفارقة أهله ووطنه حتى يرغب طالب العالم في التحصيل.
وهو مع غيرهم خيراً كثير الصلة والإنفاق، يصنع المعروف ولا ينبغي عليه جزاء من أحد إلا من الله يحب أهل الفضل على الإطلاق، ويعين المساكين كثيراً، حتى إنهم يقفون في الطريق الذي يمر منه ولا يخيب أحداً منهم أو يرده، وإذا جلس في المسجد كثيراً ما ترى الناس حولهن ملتفين ولو في غير الناس. غاية الأمر أنه سراج منطقته التي يسكن فيها. محبوب إلى الجميع العامة منهم والخاصة.
ولا يحب الظهور فأكثر نفقاته في السر. ولهذا السبب فيما أرى والله أعلم يلاحظ أن له قبولاً عند الجميع.
هذه الصفات والمواقف خاصة عند اشتداد حاجات اليتامى والأرامل جعلت دعوته نافذة ونصائحه صادقة حيث أن أفعاله تصدق أقواله.
هذه بعض المواقف التي سجلت له:
1) موقفه مع أحد طلاب العلم الذين تتلمذوا على يده في أيام العهد الإمامي، حيث أمر الإمام بهدم بيت هذا الطالب لجناية أحدثها. وفعلاً هدم هذا البيت بعد الحكم عليه بالإعدام ولكن تضرر بهدم البيت أهله وذووه وكان القاضي محمد من المراجعين لهذه العائلة حتى شهد بأن البيت ليس هو ملك هذا الطالب وحده وأنه ليس له غير نصيب من أبيه حتى تراجع الإمام وأصلح بيت والدة هذا الطالب.
وما زالت هذه الوالدة تدعو له والناس يشكرون له هذه السعاية الحميدة وكان القاضي محمد كثيراً ما يذهب بالمساعدات المادية لهذه الأم تكرمة لذلك التلميذ ورحمة بها خاصة وقد أصبحت بلا عائل يعولها.
2) موقفه مع أحد طلاب العلم كان كثيراً ما يعطيه القاضي ظرفاً ويقوله له وصل هذه الرسالة هذا إذا كان بين طلاب العلم أما إذا كان وحده فيعطيه بدون تورية. وبعد تكرار هذا الموقف اتضح أنه من راتبه الشهري حيث وأن هذا الطالب فقير ومحتاج وكم ساعد غيره من طلاب العلم الذين يجيئون من الخارج في إيجاد أعمال ووظائف ليستقر بهم المقام حتى يطلبوا العلم بأمان.
13) موقفه من الجماعات الإسلامية:
لم يعد يخفى عليه كثير من الجماعات الإسلامية على ساحة العمل الإسلامي وما نتج عنها فهي تنخر في جسم الأمة على ما أصابها من أمراض الفرقة والتشرذم فزادتها وهناً على وهنها وجرأت عليها أعدائها فهي الآن بهذه الأمراض مجتمعة لقمة سائغة لأعدائها، وجندت بعض الجماعات أفرادها للنيل من الجماعات الأخرى، ولتوسيع الهوة بينها فاحتار العامة في أمرها ولم يعد الحق يتبين مع أي منها، وغصت المكتبات بالكتب والرسائل والبحوث الداعية إلى هذه الجماعات ففرح الأعداء والمغرضون فأصبحوا يزكون روح الخلاف والشقاق بينها.
وأصبح الكل ينادي بالاعتصام بالكتاب والسنة ولكن لا فائدة مرجوة من هذه الجماعات التي تذكي هذه الروح بين المسلمين والعلماء قد بينوا الحق ولكن الآذان صماء والقلوب غلف والأعين عمياء ويقف القاضي محمد العمراني موقف العالم الناصح والمرشد المشفق على جميع من في الساحة ممن ينتسبون إلى الإسلامي فينادي بأعلى صوته: (ألا إن من أوجب الواجبات في هذا العصر وحدة الصف والجماعة، وأن التفرقة من أقبح البدع وأشنعها).
ولا يكاد يمر درس من دروسه إلا ويبدي النصح والإرشاد والتوجيه للجماعات والإنكار على كل من يسعى للفرقة والتحزب والدعوة إلى غير سبيل المؤمنين.
وكم كرر النصح وطرق على المقولة المشهورة: (فنجتمع على ما اتفقنا عليه من المسائل وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه من المسائل الفرعية الجزئية)، وطالما بين لطلابه أن المسائل التي يختلف عليها أهل المساجد في زماننا هذا إنما هي مسائل ظنية وليست من المسائل القطعية وهذا من أخطر المحظورات الشرعية، ويتسم موقفه بوضوح في الحياء التام من الجماعات وعدم مهاجمة أياً منها مما أكسبه حرص كل الجماعات على أن يكون فيها، بل هذا الذي يحدث، فكثيراً ما يدعى إلى ندوة أو مؤتمر تعقده الجماعة الفلانية فيذهب والحرج باد عليه.
ملحوظة:
اقتسبت هذه الترجمة ما عدى بند رقم (16) من رسائل الماجستير للأخ الأستاذ/ عبد الرحمن عبد الله سليمان الأغبري بتصرف بسيط التي هي بعنوان القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني حياته العلمية والدعوة التي تقع في نحو أربعمائة صفحة وهي جديرة بالإفتاء والإطلاع لما حوته من إحاطة بحياة شيخنا الله ولما اشتملت عليه من فوائد علمية وتربوية مهمة ومفيدة.
15) سعة إطلاعه وعمق معرفته بالتاريخ:
مما يتميز به فضيلة القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني حفظه الله تعالى عن غيره من العلماء المعاصرين له في اليمن هو قوة حافظته وسعة إحاطته للحوادث التاريخية سواء منها ما كان قبل الإسلام من حياة العرب فلي الجاهلية أو ما يتعلق بأخبار الأمم الماضية، أو ما يتعلق بحفظ نسب الرسول صلى الله عليه وسلم من عند أبيه عبد الله بن عبد المطلب إلى عند عدنان.
وكذا أخبار أحداث السيرة النبوية على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام، والتاريخ الإسلامي وأخبار الدول الإسلامية في العصر الإسلامي سواء الدولة الأموية أو العباسية أو العثمانية.
أما ما يتعلق بأخبار التاريخ اليمني قبل الإسلام وبعد الإسلام وأخبار الدول المتعاقبة على اليمن ومعرفة أنساب وأسماء الأئمة الذين حكموا اليمن وأسرهم وحاشياتهم وسيرة كل واحد منهم وما حصل في أيامه من خير أو شر فلا يجاريه في معرفته وحفظه للأسماء والتواريخ أحد. بل هو أكثر علماً واطلاعاً ومعرفة وحفظاً لأسماء الحوادث والأشخاص والتواريخ من كبار المتخصصين في تاريخ اليمن سواء التاريخ اليمني القديم أو الحديث ولا غرو في ذلك حيث أن فضيلته يعتبر شاهد قرن.
¥