وهو مع هذا سمَّع زوجته وسمع من أبيه وقرابته على نزول ما عندهم ومشاركتهم له في التحمل، ولما جاءته الذرية اعتنى بتحصيل عوالي المرويات لهم سماعاً وإجازة بداراً واحداً بعد واحد ذكوراً وإناثاً، وخرج لابنه أبي هريرة عبدالرحمن جزءاً من عوالي ما سمعه على كبار المسندين كالحجار والمطعم سماه بالدينار من حديث المشايخ الكبار، وهو بنفسه نص على أمية وعامية المطعم والحجار مع فرط علو إسنادهما، ونسأ الله تعالى في عمر عبدالرحمن ابنه حتى تفرد بكثير من مروياته وسمع منه وأجيز الحفاظ والأعلام كحافظ الشام ابن ناصر الدين وحافظ الديار المصرية بل عموم البلاد الإسلامية أبي الفضل ابن حجر.
وشرح ما للذهبي في هذا الباب من يد وعمل يطول ويجيء منه مصنف ماتع للمتتبع الجامع.
والمقصود أنه ينصح عن خبرة عميقة راسخة بهذا الشأن ودواخله وعلله وخفاياه، فكما أن المنقول تعتريه العلل من جهة ناقليه، فالنقلة والحملة لهم أدواء وعلل تعتريهم في حمل العلم والحديث ونقله من جهات عديدة ومتى أغفلوها وغفلوا عنها استحكم الداء وأعيا الدواء.
والحافظ الذهبي طبيب في أدواء النقل وأدواء الناقلين، وما هو بالمتهم في قوة عنايته ودرايته بالرواية وحرصه عليها حتى يقال: الناس أعداء ما جهلوا، ولا هو بالمبخوس الحظ في ذلك حتى يقال: من حرم الشيء استخف به، ولكنه والله محَّض النصيحة، وخاطب بها طلبة الحديث في عصره، وكلامه في أدواء طلبة الحديث خاصة هي بالنسبة لمثله من جنس النقد الذاتي والإنصاف من النَّفس التي هي إحدى الخصال الثلاثة التي من استكملها استكمل الإيمان كما قال عمار بن ياسر رضي الله عنه وعلقه البخاري عنه في كتاب الإيمان من "صحيحه".
نسأل الله سبحانه أن يوفر حظنا من الانتفاع بالنصيحة وأدائها وقبولها باطناً وظاهراً، وأن يجعلنا من المؤمنين حقاً الذين تنفعهم الذكرى، ومن عباده الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه فلهم البشرى.
وشكر الله لك ثانية يا أبا أويس فقد أفدت وأجدت زادنا الله وإياك من فضله.
ولو أن بعض الإخوان أمكنه أن يضع وصية الحافظ الذهبي لتلميذه الحافظ محمد بن رافع السلامي لكان من محاسن الإفادات لأنها من صميم ما نحن فيه.
وكذا عبارات الذهبي في "زغل العلم والطلب"، وله أيضاً عبارات من هذا الجنس منثورة في "السير" والتذكرة" خاصة وفي غيرهما.
وفي "معيد النعم" لخريجه في الحديث القاضي أبي نصر ابن السبكي من هذا القبيل أشياء، وكذا في الكتاب المقتبس منه لابن طولون محدث الشام في وقته.
وأما العلامة أبوشامة فله في أول "كتاب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم"، عبارة قوية في ذلك، ونحوها للحافظ أبي سعيد العلائي في أواخر "بغية الملتمس".
وكذا لغيرهم، وكل هؤلاء محدثون بل حفاظ عصورهم، وذووا تبحُّر في الرواية على طريقة المتأخرين ودوران على الشيوخ والمسندين، واستجازة لأهل الآفاق النائين، وسماع للألوف بعد المئين، وكتابة وتأليف ورحلة ومذاكرة وتخريج، فالسعيد من انتفع بمواعظ القوم الذين خبروا هذه الطريق قبل أن تأخذه بنياتها عن جادتها فتبتلعه، فيفتقد إذا وصل المقتصدون إلى الغايات الحميدة السعيدة في الدنيا والآخرة، جعلنا الله تعالى منهم.
ولعل الإدارة سددها الله تعالى تجعل بعض عبارات الحافظ الذهبي مثبتة في موضع مناسب من منتدى الرواية وبصورة مليحة تلفت الانتباه ليستحضر معانيها الإخوان المشتغلون بهذا الشان، .. وليبصروا طريقهم قبل فوات الأوان.
وبالله تعالى التوفيق
ـ[رمضان أبو مالك]ــــــــ[09 - 06 - 07, 01:36 م]ـ
أحسنت وجزاك الله خيراً.
ولا يخفى على من يعرف الحافظ الذهبي أنه من أساطين الرواية ومن أسعد الناس فيها حظاً منذ ولادته إذ استجاز له في عام مولده من خلق من كبار العلماء والمسندين بعضهم من شيوخ النووي
وبالله تعالى التوفيق
جزاكما الله خيرًا، وبارك فيكما.
لعلَّك قصدتَ: من تلاميذ النووي، هل أصبتُ أم أخطأتُ؟
ـ[أبو عبد الرحمن الطاهر]ــــــــ[09 - 06 - 07, 01:55 م]ـ
بارك الله فيك و زادك الله علما و ورعا
ـ[أبو أويس المغربي]ــــــــ[09 - 06 - 07, 03:36 م]ـ
أحسن الله إليكم، وبارك فيكم، ونفعنا بما تقدم من الوصايا.
لعلَّك قصدتَ: من تلاميذ النووي، هل أصبتُ أم أخطأتُ؟
كلام الأخ الناصح أبي عبد الله سديد لا إشكال فيه عند التأمل، فقد قال: استجاز له في عام مولده من خلق من كبار العلماء والمسندين بعضهم من شيوخ النووي ونحوه: أخوه من الرضاع العالم المحدث الفقيه علي بن إبراهيم العطار تلميذ الإمام النووي.
وقوله: أخوه من الرضاع العالم المحدث الفقيه علي، فاعل لـ (استجاز) مؤخر، لكن لما وقع عقب قوله: بعضهم من شيوخ النووي ونحوه، مع طول الفصل، أشكل عليك.
ومن شيوخ النووي الذين روى عنهم الذهبي: الإمام عبد الرحمان بن أبي عمر، وكان النووي يقول: هو أجل شيوخي.
ومن اللطايف أن ابن الخباز جمع سيرة ابن أبي عمر في مئة وخمسين جزءا! وهي أطول سيرة كُتبت في ترجمة عالم، ووقع فيها استطراد وحشو ليس هذا مقام التعريج عليه.
¥