تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[((لا تنسوا ... (منجم التربية)))]

ـ[أبو هاشم الحسني]ــــــــ[16 - 06 - 07, 12:14 م]ـ

((لا تنسوا ... (منجم التربية))) (1)

بقلم محمد بن عبد الله علي محي الدين

في يومٍ من أيام عام 1411 هـ تقريباً، وبعد الدرس العام بعد صلاة العصر، اجتمع مجموعة من طلاب الشيخ عبد الله بن أحمد الناخبي حوله عند محراب مسجد بابيضان وقرأ كل واحدٍ منهم درسه (2)، وبعد الانتهاء من القراءة، حثهم الشيخ على مراجعة الدروس ومذاكرتها فيما بينهم؛ ثم قال لهم: ((أنا لكم كالسُلَّم تصعدون على ظهري، ثم أعطيكم المفاتيح، وكل واحد منكم باجتهاده يفتح الغرف والأبواب ... ولكن لا تنسوا السلم .. )) وانصرف الشيخ إلى منزله.

نعم أعزتي: هناك الكثير ممن يقرأ على شيخ وينتفع به، فإذا أخذ مراده، تبدل ثناؤه ذماً، وتواضعه كبراً ... عندما يبلغ العُلِّيَّة يُسقط السلم!!

وقد سألت الشيخ مرةً؛ مَن تلاميذكم (3) القدامى؟ فقال: كثير جُلهم تنكر لي، ثم ذكر اثنين وقال: هما مخلصان لي، صاحبا وفاء، فسألته عن اسميهما؛ فقال: سعيد سرور بن هامل (4) وسالم الحبشي (5) رحمهما الله تعالى.

عرفت اخلاص الطالب لشيخه من فعله رحمه الله، فقد أعقب قوله فعلاً؛ فكان يحب شيخه الأول الشيخ سالم بن مبارك الكلالي حباً جماً، وكان كثيراً ما يردد ((ما شيخي إلا الكلالي))، مع ثنائه على جميعهم، وحبه لهم، والترحم عليهم.

وسألني مرةً عن الثبت الذي جمعه له تلميذه المخلص محمد بن أبي بكر باذيب (6) فذكرت له بعض ما فيه وهو مسرور به، وذكرت له ما ألحقه به من إسناد الأولية وسند البخاري، فقال الشيخ: ((عمن؟)) قلت من طريق السيد جعفر بن محسن بونمي، فسكت وقال: ((جزاه الله خيراً، وليته كتبه عن الشيخ الكلالي)) (7).

ومع أن شيخنا لقي الشيخ عمر بن مبارك بادباه (شيخ الكلالي) وقرأ عليه، إلا أنه كان إذا ذكر إسناده لا يسقط الواسطة أبداً ... وكان كثير الدعاء له، وذكر لي مرة أنه نسيه فرآه في المنام يعاتبه ويقول: ((وراك (8) يا عبد الله نسيت)) ...

يلقى الإنسان في حياته كثيراً ممن يفضلون على والده في صفاتهم ... فهل يحق له تقديمهم عليه، وهو سبب تكوينه، وهكذا مقام الشيخ الأول الذي يبني الأساس (9).

أعزتي، ما رأيته من ثنائكم وبِركم بالشيخ جزاكم الله خيراً جعلني أذكر ذلك، وأحببت أن تذكروا شيخه الأول عند ذكركم لمشايخ الشيخ (10)، لأن سيدي الشيخ كان لا يقدم عليه أحداً ...

وأختم مقالتي بقصتين سمعتهما من سيدي الشيخ:

لما كان الشيخ في تبالة طالباً عند الشيخ الكلالي، وكان يأكل وينام معه في منزله، قال: ((في ليلة أصابني أرقٌ أفرَّ النوم من أجفاني، وظَنِّي أنَّ أهل البيت ناموا، ثم فوجئت بالشيخ الكلالي يقوم من فراشه ويتأكد من نوم الجميع ثم يخرج من الباب، فتركته حتى خرج وابتعد قليلاً فلحقته من غير أن يشعر بي، وإذا به يخرج خارج القرية، وأردت الرجوع فخفت، ورأيت الأسلم لي أن أسير خلفه حتى وصل إلى مسجد قديم مهجور، فدخل بركة ماء فاغتسل ثم دخل المسجد وأخذ يصلي فيه ويبكي بكاءً شديداً، حتى شارف الفجر فانصرف فسبقته إلى الطريق حتى دخلت قبله، وهو دخل لا يشعر بي وتظاهر بالنوم، ومع أذان الفجر أظهر الاستيقاظ وأيقظنا ... يقول سيدي الشيخ وراقبته بعد ذلك مرات متفرقات حتى علمت أن هذه عادته رحمه الله.

وأما القصة الثانية: فغضب مرة الشيخ الكلالي عليه وطرده من بيته، والشيخ صغير السن، قال: ((فنمت عند عتبة باب الشيخ، فلما خرج لم يتنبه لي بسبب الظلام، فوضع قدمه على بطني، وقال متعجباً من؟! قال فقلت: عبد الله، فسار في طريقه ولم يلتفت إليَّ))، قال سيدي الشيخ: ((ولم أبرح تلك العتبة حتى رضي عني الشيخ وأدخلني بعد ثلاثة أيام)) ...

أعرفتم سادتي سر الحب؟! إذاً لا تنسوا ...


(1) لكل عالم ميزة تميزه، مع توافر الخصائص الأخرى، وميزة شيخنا أنه كان مربياً قديراً.
(2) أذكر منهم الآن السيدين الفاضلين محمد بن أحمد بن سميط وعبد الله بن إسماعيل.
(3) أقصد المتخرجين عليه.
(4) وكان أحبهما إليه، وكان سعيد حريصاً على جمع قصائد الشيخ وحفظها عنده، ثم مرض بالسل، ومات به رحمه الله، وقرر الأطباء أن يُلقى كل ما كان معه في البحر خوف العدوى، وكانت تلك القصائد من جملة ما ألقي في البحر، وما ذكره الشيخ إلا ترحم عليه، واغرورقت عيناه بالدموع.
(5) لم يتذكر الشيخ اسم أبيه.
(6) وما عرف تلاميذ الشيخ الأوائل أسانيد الشيخ إلا بجمع أخي الفاضل محمد باذيب حفظه الله لها.
(7) ولأخي الفاضل محمد باذيب في ذلك مقصد حسن لا يخفى، وهو رفع السند من طريق السيد بونمي لأنه قرأه عليه.
(8) تعني " ما لك" في لغة بلده.
(9) وكان شيخنا أحمد بن عبد السلام أحمد السوداني العباسي المالكي إذا جاءه طالب قرأ على أحد قبله يقول: هذا جاءني جاهزاً.
(10) وبعض من غفل عن ذكر الشيخ الكلالي -عند ذكر شيوخ سيدي الشيخ- يُعذر لملاحظته لسنة علو الإسناد.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير