ولا يخفاك أن بيان الجرح في حال ثبوته مفسَّراً من صميم الديانة والنصيحة، وقد أجاب العلماء من قديم الزمان عن التفريق بينه وبين الغيبة المحرمة، ولا تنس أننا نكتب في ملتقى (أهل الحديث)، وفي منتدى (الرواية)، فهنا المقام لتحرير المرويات علمياً، دون إطلاقات واسعة أو ظنون أو ورع بارد، وأرجو أني أحتسب أجر الآخرة في تنقية الرواية وإعادة حالها لما كان عليه أهل الحديث.
وقولك: (إن أمانة النقل فوق كل اعتبار) هو في صميم ما أكتب، وصميم ما أطالبك به، فقولك بعده: (فلا تطالب بها من مات قبل أن تطالب بها نفسك التي بين جنبيك)، كلامٌ نظري بحت، لأن واقعي العملي الذي تراه في كتبي، ولا سيما ثبت الكويت واضحٌ لا أني أكاد أكتب أي معلومة إلا بتوثيقها ودراسة المسألة والتقصي فيها ما استطعت والاحتراز بالعبارة، خلافاً لما مشى عليه مَن سَبَق من النقل المحض دون تحرير ولا توثيق ولا تمحيص؛ إلا ما شاء الله.
ومن أمانة النقل أن يحيل الإنسان على من يستفيد منه، ولا يتشبع بما لم يُعط، كأن يقول: بتتبعي الطويل للسماعات وجدت أن كذا وأن كذا. في حين أنه أخذه من غيره.
ومن أمانة النقل أن يكون دقيقاً بعيداً عن الإطلاقات الواسعة، التي تضيق شيئا فشيئا بعد تنبيه المناقش، حتى تغدو بمعنى لا يؤديه إطلاقه الاول.
عوداً على بدء: نظراً لمطالبتي وإياك بأمانة النقل ودقته فنحتاج للآتي إن أردتَ مواصلة الكلام عن الفاداني رحمه الله وغفر لنا وله:
1) أن تأتيني بحل علمي لما في الروض النضير والتزيد الكبير الذي حصل بعد في كتبه الأخرى، فهنا مكمن الورع والديانة أن تدافع عنه بشكل علمي، لا أن تترك التناقض بل الكذب الواضح وتقول للناس: مشّوها، وحرام عليكم .. الخ!
2) أن تكون الشهادة التي ستأتي بها من إنسان عاصر الفاداني وقت طلبه وقراءته، أو تلمذ عليه قريباً جدا من ذلك العهد، ولا يفيد أن تأتي بمن أخذ عنه بعد صدور كتبه التي فيها تزيّد، وهي من أكثر من نصف قرن، لأن الأمر يؤول إلى نفس العلة.
3) تأكد أن كون الفاداني رحمه الله ميتاً لا يؤثر إطلاقاً في الحكم، فوالله لو كان حياً لناقشتُه بنفسي، كما ناقشتُ عدداً من مشايخي، فمنهم من وضّح الأمور، ومنهم من رجع عن وهم، ومنهم من ظهرت مجازفته وإصراره أو أكثر من ذلك.
ثم تذكر أني لست الوحيد الذي نبّه لما عنده، بل تجدني ذكرتُ عدداً في نيل الأماني بفهرسة مسند العصر عبد الرحمن بن عبد الحي الكتاني، عند ذكر شيوخ بدر الدين الحسني، وقد طُبع، ومنهم صاحبك محمد الرشيد -إن كنتَ تقدر ترد عليه-، وستجد فيه أشياء أخرى أتى بها الفاداني ليس لها حل أيضاً.
ولعلمك أيضاً: إني أحرص قدر المستطاع أن لا أبتدئ في التنبيه على حال الفاداني، ولم أذكره إلا في مقام التحرير في محاله، ومنه التنبيه على الأخطاء التي يقع فيها من يَعتمد عليه، مثل ما حصل منك في هذا الموضوع الذي زدتَ عليه عما ذكره هو عن نفسه! وإلا فإن رأيي فيه ليس جديداً ولم أذكره في نقاشات الموضوع إلا بآخره عندما ألجأتني إليه.
هداني الله وإياك للحق، وغفر لي وللفاداني ولك.
ـ[راجي رحمة ربه]ــــــــ[09 - 10 - 10, 01:50 م]ـ
أن تكون الشهادة التي ستأتي بها من إنسان عاصر الفاداني وقت طلبه وقراءته، أو تلمذ عليه قريباً جدا من ذلك العهد، ولا يفيد أن تأتي بمن أخذ عنه بعد صدور كتبه التي فيها تزيّد، وهي من أكثر من نصف قرن، لأن الأمر يؤول إلى نفس العلة.
....
حتى لا يتشعب النقاش فيما لا فائدة فيه فلنحصر في سماع الستة من عمر حمدان
وقد أعدت أنت ما ذكرته لك، فتأمله جيدا
"ما نقلته عن الفاداني استوثقت منه من أقدم تلامذته الأحياء والذي لازمه مدة تزيد على 27 سنة، وهو فوق الثقة ....
هناك من لا زال على قيد الحياة أحد المعمرين من تلامذة عمر حمدان ممن حضر مجالس محدث الحرمين الشيخ عمر حمدان المحرسي ولعلي أسجل له صوتيا ما يثلج الصدور في إثبات شهادته على صحة ما نقله الفاداني"
وهذا الأخير حضر مجالس الشيخ عمر حمدان وأجازه وله أجازة قديمة من الشيخ الفاداني فلعل الله ييسر لي اللقاء به وتوثيق المراد.
....
هداني الله وإياك للحق، وغفر لي وللفاداني ولك.
ـ[محمد زياد التكلة]ــــــــ[09 - 10 - 10, 02:09 م]ـ
أخي المكرم:
تجاهلتَ الكلام في عدة نقاط مهمة في ردي الأخير.
المهم: ذكرتُ ما عندي بأدلتي باسمي الصريح، وذكرتَ ما عندكَ باسمك المستعار، والحكم للقارئ، لكن أعتقد على مقتضى المحدثين يجب أن يكون ناقل الأخبار معروفاً عند القارئ غير مجهول كأساس ليبدأ رحلة البحث عن صحة النقل وحجيته.
وإذا أردتَ مواصلة الكلام في الفاداني فسأفتح له موضوعاً مستقلاً، وبرجاء مراعاة ما ذكرتُه أخيراً كي لا يضحى كلامكم تكراراً في غير عقدة البحث، فلا تضطرني أيضاً للتكرار.
وأخيراً: وأكرر لفت نظركم أن ملازمة عالم مدة لا تقتضي حضور جميع دروسه وفي جميع الاوقات، وبلا فوت، بل يكاد أن يكون محالاً لغير المتفرغ المنقطع تماماً لشيخ واحد، ويحتاج لنص صريح، فالمشاهد والملموس ممن يلازم المشايخ هو هذا، فتكرارك الاحتجاج بالأمر للفاداني أو غيره لا يُسلَّم لك، لفقدان النص الصحيح الصريح، مع وجود الصريح الذي يضادُّه، ولا سيما أنه كان يدرس ويقرأ عند كثيرين كما تعلم، فالله الله كما في أمانة النقل ودقته أن تكون دقيقا ومحترزاً في الاحتجاج.
بوركت وعوفيت.
¥