تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أَجَابَ شَيْخُ الإِسْلامِ _ طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ _: «الْحَمْدُ للهِ. أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ إلْبَاسِ لِبَاسِ «الْفُتُوَّةِ»؛ السَّرَاوِيلَ أَوْ غَيْرَهُ، وَإِسْقَاءِ الْمِلْحِ وَالْمَاءِ فَهَذَا بَاطِلٌ لا أَصْلَ لَهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، لا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَلا غَيْرُهُ، وَلا أَحَدٌ مِنْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ. وَالإِسْنَادُ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ مِنْ طَرِيقِ الْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ إلَى عَبْدِ الْجَبَّارِ إلَى ثُمَامَةَ فَهُوَ إسْنَادٌ لا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَفِيهِ مَنْ لا يُعْرَفُ، وَلا يَجُوزُ لِمُسْلِمِ أَنْ يَنْسُبَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ هَذَا الإِسْنَادِ الْمَجْهُولِ الرِّجَالِ أَمْرَاً مِنْ الأُمُورِ الَّتِي لا تُعْرَفُ عَنْهُ، فَكَيْفَ إذَا نُسِبَ إلَيْهِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ عَلَيْهِ!، فَإِنَّ الْعَالِمِينَ بِسُنَّتِهِ وَأَحْوَالِهِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ الْكَذِبِ الْمُخْتَلَقِ عَلَيْهِ، وَعَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ نُزُولِ هَذَا اللِّبَاسِ فِي صُنْدُوقٍ هُوَ مِنْ أَظْهَرْ الْكَذِبِ بِاتِّفَاقِ الْعَارِفِينَ بِسُنَّتِهِ. وَاللِّبَاسُ الَّذِي يُوَارِي السَّوْأَةَ هُوَ كُلُّ مَا سَتَرَ الْعَوْرَةَ مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ اللِّبَاسِ الْمُبَاحِ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ لَمَّا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، وَيَقُولُونَ: ثِيَابٌ عَصَيْنَا اللهَ فِيهَا لا نَطُوفُ فِيهَا، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ، وَأَنْزَلَ قَوْلَهُ «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ»، وَهذا من الْكَذِبِ وَالافْتِرَاءِ، بَلْ هُوَ مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ.

وأما مَا ذُكِرَ مِنْ «لِبَاسِ الْخِرْقَةِ»، وَأَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَاجَدَ حَتَّى سَقَطَتْ الْبُرْدَةُ عَنْ رِدَائِهِ، وَأَنَّهُ فَرَّقَ الْخِرَقَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَأَنَّ جِبْرِيلَ أَتَاهُ، وَقَالَ لَهُ: إنَّ رَبَّك يَطْلُبُ نَصِيبَهُ مِنْ زِي الْفَقْرِ، وَأَنَّهُ عَلَّقَ ذَلِكَ بِالْعَرْشِ، فَهَذَا أَيْضَاً كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْتَمِعْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى سَمَاعِ كَفٍّ، وَلا سَمَاعِ دُفُوفٍ وَشَبَّابَاتٍ، وَلا رَقْصٍ، وَلا سَقَطَ عَنْهُ ثَوْبٌ مِنْ ثِيَابِهِ فِي ذَلِكَ، وَلا قَسَمَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَكُلُّ مَا يُرْوَى مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِسُنَّتِهِ.

وَأَمَّا لَفْظُ «الْفَتَى» فَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْحَدَثُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى «إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ»، وقَوْله تَعَالَى «قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبْرَاهِيمُ»، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ». لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ أَخْلاقُ الأَحْدَاثِ اللِّينَ صَارَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّيُوخِ يُعَبِّرُونَ بِلَفْظِ «الْفُتُوَّةِ» عَنْ مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: طَرِيقُنَا تُفْتَى وَلَيْسَ تُنْصَرُ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْفُتُوَّةُ أَنَّ تُقَرِّبَ مَنْ يُقْصِيك، وَتُكْرِمَ مَنْ يُؤْذِيك، وَتُحْسِنَ إلَى مَنْ يُسِيءُ إلَيْك، سَمَاحَةً لا كَظْمًا، وَمَوَدَّةً لا مُضَارَةً. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْفُتُوَّةُ تَرْكُ مَا تَهْوَى لِمَا تَخْشَى. وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي تُوصَفُ فِيهَا الْفُتُوَّةُ بِصِفَاتِ مَحْمُودَةٍ مَحْبُوبَةٍ، سَوَاءٌ سُمِّيَتْ فُتُوَّةً، أَوْ لَمْ تُسَمَّ، وَهِيَ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْمَدْحَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إلا لِدُخُولِهَا فِيمَا حَمِدَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الأَسْمَاءِ، كَلَفْظِ الإِحْسَانِ، وَالرَّحْمَةِ، وَالْعَفْوِ،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير