تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلا تَفَرَّقُوا؛ وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ»، وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ؟»، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ، لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ». فَهَذِهِ الأُمُورُ مِمَّا نَهَى اللهُ وَرَسُولُهُ عَنْهَا.

وَأَمَّا لَفْظُ «الدَّسْكَرَةِ» فَلَيْسَتْ مِنْ الأَلْفَاظِ الَّتِي لَهَا أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ، فَيَتَعَلَّقُ بِهَا حَمْدٌ أَوْ ذَمٌّ؛ وَلَكِنْ هِيَ فِي عُرْفِ النَّاسِ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْمَجَامِعِ، كَمَا فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ: «أَنَّهُ جَمَعَ الرُّومَ فِي دَسْكَرَةٍ»؛ وَيُقَالُ لِلْمُجْتَمِعِينَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ: إنَّهُمْ فِي دَسْكَرَةٍ؛ فَلا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا اللَّفْظِ حَمْدٌ وَلا ذَمٌّ؛ وَهُوَ إلَى الذَّمِّ أَقْرَبُ؛ لأَنَّ الْغَالِبَ فِي عُرْفِ النَّاسِ أَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ بِذَلِكَ الاجْتِمَاعَ عَلَى الْفَوَاحِشِ وَالْخَمْرِ وَالْغِنَاءِ. وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ؛ لَكِنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ؛ فَإِنْ قَامَ بِهِمَا مَنْ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ مِنْ وُلاةِ الأَمْرِ؛ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَالأَوْجَبُ عَلَى غَيْرِهِمْ أَنْ يَقُومَ مِنْ ذَلِكَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلِقَ مِمَّا يُخْلَقُ مِنْهُ الْبَشَرُ؛ وَلَمْ يُخْلَقْ أَحَدٌ مِنْ الْبَشَرِ مِنْ نُورٍ؛ بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللهَ خَلَقَ الْمَلائِكَةَ مِنْ نُورٍ؛ وَخَلَقَ إبْلِيسَ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ؛ وَخَلَقَ آدَمَ مِمَّا وَصَفَ لَكُمْ»، وَلَيْسَ تَفْضِيلُ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ مَا خُلِقَتْ مِنْهُ فَقَطْ، بَلْ قَدْ يُخْلَقُ الْمُؤْمِنُ مِنْ كَافِرٍ، وَالْكَافِرُ مِنْ مُؤْمِنٍ؛ كَابْنِ نُوحٍ مِنْهُ، وَكَإِبْرَاهِيمَ مِنْ آزَرَ. وَآدَمُ خَلَقَهُ اللهُ مِنْ طِينٍ، فَلَمَّا سَوَّاهُ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَهُ الْمَلائِكَةَ، وَفَضَّلَهُ عَلَيْهِمْ بِتَعْلِيمِهِ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِأَنْ خَلَقَهُ بِيَدَيْهِ؛ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ. فَهُوَ وَصَالِحُو ذُرِّيَّتِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلائِكَةِ، وَإِنْ كَانَ هَؤُلاءِ مَخْلُوقِينَ مِنْ طِينٍ؛ وَهَؤُلاءِ مِنْ نُورٍ. وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَبِيرَةٌ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ فَإِنَّ فَضْلَ بَنِي آدَمَ هُوَ بِأَسْبَابِ يَطُولُ شَرْحُهَا هُنَا. وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فَضْلُهُمْ إذَا دَخَلُوا دَارَ الْقَرَارِ «وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ».

وَالآدَمِيُّ خُلِقَ مِنْ نُطْفَةٍ؛ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ؛ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ انْتَقَلَ مَنْ صِغَرٍ إلَى كِبَرٍ، ثُمَّ مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ، فَلا يَظْهَرُ فَضْلُهُ وَهُوَ فِي ابْتِدَاءِ أَحْوَالِهِ؛ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فَضْلُهُ عِنْدَ كَمَالِ أَحْوَالِهِ؛ بِخِلافِ الْمَلَكِ الَّذِي تَشَابَهَ أَوَّلُ أَمْرِهِ وَآخِرِهِ. وَمِنْ هُنَا غَلِطَ مَنْ فَضَّلَ الْمَلائِكَةَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ حَيْثُ نَظَرَ إلَى أَحْوَالِ الأَنْبِيَاءِ وَهُمْ فِي أَثْنَاءِ الأَحْوَالِ؛ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إلَى مَا وُعِدُوا بِهِ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ مِنْ نِهَايَاتِ الْكَمَالِ. وَقَدْ ظَهَرَ فَضْلُ نَبِيِّنَا عَلَى الْمَلائِكَةِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، لَمَّا صَارَ بِمُسْتَوَى يُسْمَعُ فِيهِ صَرِيفُ الأَقْلامِ، وَعَلا عَلَى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير