تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَأَمَّا «الْمُؤَاخَاةُ» بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ، كَمَا يُقَالُ: إنَّهُ آخَى بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِنَّهُ آخَى عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ ذَكَرَ أَنَّهُ فَعَلَ بِمَكَّةَ، وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ أَنَّهُ فَعَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَذَلِكَ نَقْلٌ ضَعِيفٌ: إمَّا مُنْقَطِعٌ وَإِمَّا بِإِسْنَادِ ضَعِيفٍ، وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ، وَمَنْ تَدَبَّرَ الأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ، وَالسِّيرَةَ النَّبَوِيَّةَ الثَّابِتَةَ تَيَقَّنَ أَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ.

وَأَمَّا «عَقْدُ الأُخُوَّةِ» بَيْنَ النَّاسِ فِي زِمَانِنَا، فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْتِزَامَ الأُخُوَّةِ الإِيْمَانِيَّةِ، الَّتِي أَثْبَتَهَا اللهُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ «إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ»، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يُسْلِمْهُ وَلا يَظْلِمْهُ»، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا يَسْتَامُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ»، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ»، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ الإِيْمَانِيَّةِ الَّتِي تَجِبُ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ، فَهَذِهِ الْحُقُوقُ وَاجِبَةٌ بِنَفْسِ الإِيْمَانِ، وَالْتِزَامُهَا بِمَنْزِلَةِ الْتِزَامِ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، وَالْمُعَاهَدَةِ عَلَيْهَا كَالْمُعَاهَدَةِ عَلَى مَا أَوْجَبَ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَهَذِهِ ثَابِتَةٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بَيْنَهُمَا عَقْدُ مُؤَاخَاةٍ.

وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا إثْبَاتَ حُكْمٍ خَاصٍّ كَمَا كَانَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَهَذِهِ فِيهَا لِلْعُلَمَاءِ قَوْلانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ أَمْ لا؟، فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، قَالَ: إنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى قَالَ: إنَّهُ مَشْرُوعٌ. وَأَمَّا الشُّرُوطُ الَّتِي يَلْتَزِمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي السَّمَاعِ وَغَيْرِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: عَلَى الْمُشَارَكَةِ فِي الْحَسَنَاتِ، وَأَيُّنَا خَلَصَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَلَصَ صَاحِبُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذِهِ كُلُّهَا شُرُوطٌ بَاطِلَةٌ، فَإِنَّ الأَمر يَوْمئِذٍ للهِ وحده «يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئَاً»، وَقَالَ تَعَالَى «وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ». وَكَذَلِكَ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطَاً مِنْ الأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَلا يُوفُونَ بِهَا، وَمَا أَعْلَمُ أَحَدَاً مِمَّنْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الشُّرُوطِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا شَرَطَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَفَّى بِهَا، بَلْ هُوَ كَلامٌ يَقُولُونَهُ عِنْدَ غَلَبَةِ الْحَالِ؛ لا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْمَآلِ. وَأَسْعَدُ النَّاسِ مَنْ قَامَ بِمَا أَوْجَبَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، فَضْلاً عَنْ أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ زِيَادَاتٍ عَلَى ذَلِكَ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير