اللهم وإن كان هوى من هوى الدنيا، أو فتنة من فتنها، أو حبل من حبالها، ليس لك فيه رضى، علق بقلوبنا حتى قطعنا عنك، أو حجبنا عن رضوانك حتى تنزل بنا سخطك ومقتك، وتفجأنا منها بسطوتك ونقمتك، أو هي التي تقعد بنا عن إجابتك، والجواز في كل أوان إليك، فاقطع –اللهم- عنّا كل حبل من حبالها جذبنا عن طاعتك، أو اعترض بنا عن أداء وظائفك، أو مال بنا عن قصد سبيلك، الذي نهجته في كتابك، وسنن نبيك.
اللهم واجعلنا من القوام على أنفسنا بأحكامك، حتى تسقط عنا بحسن معونتك مؤن المعاصي بأخذك بنا إلى نعش كتابك، والاقتداء بمن جعلت لنا به الأسوة من سنة نبيك بالنواصي، واقمع –اللهم- الأهواء المردية، والسنن الجائرة، أن يكونا مساورين لنا، غالبين علينا، أرنا الحق حقا نتبعه، والباطل باطلا نجتنبه، ثم هب لنا وطء آثار محمد ?، واللحوق به على سمت سبيله الذي نهج، وطريقه الذي أوضح، والمتبعين له على صراط مستقيم، الذي لم يزْوَر عنه يمنة ويسرة، آمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
معاشر إخواني من أهل الحديث، ومقتبسي ما أورث الرسول ? من سنة أهل الشأن، فلاحظوكم بأعين الحمد، وصعروا نحوكم بخدودهم، منافسة لكم بالحظوة، التي قسمها لكم الرحمن، عند العامة فبين ذي جهر معالن، ومستسر مداهن، وداخل في عدادكم والج في سوادكم، يرى مكثه بين أظهركم مدعيا لما ليست له عليه بينة، فطعنُه عليكم الحق الذي اتبعتموه أيسر كلفة، وعليه مؤنة فادحة لدينه، ولو قد أبدى لكم عن طويته، وكشط لكم عما يجن في سويداء خلده، وكشف عن قناعه، وباح لكم عن سوء دخلته، هجرتموه فلم يعمل فيكم سحره، ولم ينجح فيكم ما يلقاكم به، مصانعة لكم من شياعاته التي رتبها بالتمويه وخدع التشبيه، استيحاشا من انفراده، وإبقاءاً على أدنى ملابسته، فصبره على قرحته التي لا تندمل، وتزينه لكم بما يعلم الله خلافه على ملابستكم، أعظم فيكم جرحاً، وفي أديانكم نكاية.
فتوقوا إخواني هذه الطبقة أشد التوقي، فإن للبدعة رائحة تبدو إذا اشتمها ذووا الألباب، تأذى من رائحة عرفها، والمصرح ببدعته ظنينٌ لتهمته عليكم عند أقوام، مردود عليه دعاؤه لبدعته التي هو منسوب إليها، والمعرف كساه في غماركم أعظم فيكم شوكة، وأبلغ جرحا، فازوروا عند ملاقاتهم عنهم، وعبسوا في وجوههم، إعلاما منكم إياهم خلافهم، ولا تلقوهم ببسط الوجوه، فضلا عن المعانقة والمصافحة، إعراضا منكم عن كتاب الله، فإنه قال: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) الآية (المجادلة:22).
فاحترسوا منهم على معنيين:
(1) ديانة أولا.
(2) وصيانة لمذهبكم آخراً.
فإنهم بطانة سوء، لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدروهم أكبر، فلا يغركم استخذاؤهم إليكم ضرعا، فإن قلوبهم تغلي عليكم غلي المرجل الذي قد فار، غير أنهم يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم، كلما غابوا عن أعينكم فردوا أشتاتهم فيها، وحسبهم بهذا خزيا عاجلا إلى ما أعد لهم آجلا، انتهى كلامه رحمه الله.
وكلامه نافع مفيد في استحثاث المتساهلين في موالاة أهل البدع والرواية عنهم، والترهيب عن تمجيدهم وتكثير سوادهم فالزم به.
وكلامه هذا في ميدان الحاجة إلى الرواية، ونقل الأخبار، كيف وزماننا في جملته إنما المطلب فيه هو شرف الاتصال بسلسلة الرواية عن طريق مجرد الإذن بالرواية عن طريق الإجازة؟!.
فالكلام عندئذٍ أبلغ وأشد بالبعد والهرب عن أهل البدع، وقد ظهرت خطورة التساهل في هذا الباب من جوانب عدة، منها الخلط في أبواب (الحدود) و (الأسماء) و (الأحكام).
فعادوا علينا في التشكيك بأن هذا العمل بدعة أو ليس ببدعة!.
وإن قيل بأنه بدعة، عارضونا، وقالوا: ليس كلّ من وقع في بدعة يقال عنه مبتدع!.
وإن قيل بأنها بدعة مكفرة، عارضوا بقولهم: ليس كل وقع في الكفر يحكم بكفره!.
وباتت ترد أسئلة ومعارضات لم تكن تخرج من أفواههم من قبل كذلك تزيينا لأنفسهم لكي يرووا عن أهل البدع والضلال، والله المستعان.
¥