تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واستطراداً أقول: لقد رأيت كثيرا من حملة العلم ممن لم يتلقاه عن الشيوخ ولم يرفع باستجازتهم رأساً؛ فرأيت الوصفَ الجامعَ لكثيرٍ مِنْهُمْ ضِيقَ الصدْرِ وشراسَةَ الخُلُق وحدَّة الطبع؛ ومنهم مَن ابْتُلِيَ معَ هذا بالتعالِي على الأَقْرَانِ؛ بلْ على أهْلِ العلْمِ كافَّةً، ولستَ تَجِدُ ولله الحمدُ شيئا من هذا فِيمَنْ أخذَ العلمَ عن أهلِهِ؛ وأسندَ الرُّكَبَ إلى الرُّكَبِ؛ وفي ذلك ذكرى للذاكرين.

الفائدَةُ العاشِرَة:

وإذا تأمّلْتَ حالَ المُجِيزِينَ عَنِ المُجِيزينَ فِي الأعْصارِ والأمْصارِ المُخْتَلِفَةِ رأَيْتَ مَجْمُوعَهُمْ في كلِّ طَبَقَةٍ عَدَدَاً يَحْصُلُ بِهِ التواتُرُ المَعْنَوِيُّ والحِسِّيُّ في كَثِيرٍ من المَسائل، نَعَمْ هُوَ مِنَ التَواتُرِ الخاصِّ الذي يَحْصُلُ لأهْلِ الفَنِّ؛ كالتواتُرِ الحاصِلِ في بَعْضِ الأحاديثِ النبَوِيَّةِ، وفِي هذا الوَجْهِ رَدٌّ على مَزَاعِمِ كثيرٍ مِن الطاعِنِينَ في السنَّةِ مَنَ الذينَ كَثُرَ ظُهُورُهُمْ في هذهِ الأزْمِنَةِ المُتأخِّرَةِ لا كَثَّرَهُمُ الله.

وهذا ما عَنَّ لِي والعِلْمُ عِنْدَ اللهِ تَعالَى.

وحادِي عَشَرَ الفَوائِدِ:

أنَّ الإجازاتِ قَدْ حَفِظتْ لنا كَثيراً مِنْ تَراجِمِ العُلُماءِ والأشْياخِ وجانِباً مِنْ سِيَرِهِمْ ورَحَلاتِهِمْ وطَلَبِهِمْ للعِلْم ومِناهِجِهِمْ في الطَلَبِ ونَحْوِ ذلكَ مِنَ الفوائدِ التي لا تَعَدُّ ولا تُحْصَى، فإذا رأيْتَ العَالِمَ مِنْ بِلادِ السنْدِ مَثَلاً يَقُولُ: أخْبَرَنا عَبْدُ الحَقِّ الهاشِمِيُّ المُهاجِرُ المَكِّيُّ بِها .... عَلِمْتَ مِنْ هذا أنَّ الراوِيَ ارْتَحَلَ إلى مَكَّةَ؛ وأنَّهُ سَمِعَ مِنَ الشيخِ هُناك؛ وأنَّ الشيخَ مُهاجِرٌ إلَيْها، ونَحْوَ ذلكَ مِنَ الفوائدِ التي لا يَخْفَى خَطَرُها ونَفْعُها للمُحَدِّثِ والمُؤَرِّخِ وغَيرِهِمْ.

بلْ إنَّ جَمْعاً مِنَ العُلَماءِ لَمْ يُعْرَفُوا إلا بِما صَنَّفُوهُ مِن الإجازاتِ؛ إذ لا تَصانِيفَ لَهم سِواها، وفِي أعْلامِ الزِّرِكْلِيِّ خاصَّةَ ذِكْرٌ لِنَفَرٍ مِنْهم.

وثانِي عَشَرِها:

أنَّها داخِلَةٌ في عُمُومِ قولِهِ تعالى: {إنا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}؛ فإنَّ مِنْ حِفْظِ الكِتابِ حَفْظَ سَنَّةِ المَعْصُومِ صلواتُ اللهُ وسلامُهُ عليه؛ إذ هِيَ بَيانٌ لَه وتَفْصيلٌ لأحْكامِه، ثمَّ حِفْظُ السنَّةِ مِن طَريقَينِ: نَقْلِها عن النبيِّ صلَواتُ اللهُ وسلامُهُ عليهِ بإسنادٍ مُتَّصل، وبيانِ فِقْهِها عِلْماً وعَمَلاً، ولذا كانَ هذا من الفضْلِ التي امتازَتْ بهِ أمةُ الإسلام على غَيْرِها من الأمم، وقدْ قرأتُ في بعضِ المواضِعِ أن الأُمَمَ الأُورُوبِيَّةَ جَهِدَتْ فِي أنْ تُوصِلَ إلى عِيسَى بنِ مَرْيمَ خَبَراً واحداً بِسندٍ مُتَّصِلٍ فلَمْ تُفْلِح!!، فالحَمْدُ للهِ على نِعْمَةِ الإسلام.

وثالثُ عَشَرِها:

شَحْذُ الهِمَّةِ في الطلَبِ، ومَدُّ بِساطِ العَزِيمَةِ فيهِ، والطالبُ أحْوجُ ما يكُونُ إلى ذلك، ومَنْ تأمَّلَ حالَ السلَفِ وكيفَ كانُوا في هذا تَصاغَرَتْ نَفْسُهُ بَينَ عَينَيه، كيفَ ومِنْهم مَن كانَ لا يدَعُ ذلكَ حتى بعدَ التمكُّنِ من العِلْم والشهْرَةِ فيه، ومِنْهُمْ من استَجازَ وقدْ بلغَ مِن الكِبَرِ عِتِيا!، معَ أنهُ كانَ يُرْحَلُ إليهِ في الطلب!، أفَتَراهُمْ أفْنَوْا أعمارَهُمْ فيما لا طائلَ مِن وَراءِهِ، وأحدُهُمْ كانَ أضنَّ على نَفِيسِ وَقْتِهِ مِن الأُمِّ بِوَلِيدِها؟!، فدَعْ عنْكَ قِصارَ الهِمَمْ؛ وحِجارَةَ الودْيانِ والقِيعان!، فإنما تطْلعُ الشمسُ علَى قِمَمِ الجِبالِ أولاً، فَشُدَّ حِبالَ العَزْمِ؛ واضْرِبْ في طُولِ البلاد وعَرْضِها عَساكَ تَدْرِكُ بعضَ شأْوِ مَنْ سَبق؛ وتُكُونُ مِمَّنْ أحيا سُنَّةَ مَنْ سلَف، فتَحْيا بذلكَ أمَّةُ الإسلامِ كُلُّها، وفِي التنْزِيلِ أنَّ مَنْ أحْيا نَفْساً فكأنما أحْيا الناسَ جَمِيعاً؛ فإذا كانَ هذا في إحياءِ الأبدانِ، فكيفَ بإحياءِ القلُوبِ بنُورِ العلمِ والإيمان؟!.

لطيفَةٌ في الإكثارِ منَ الشيُوخِ وما وَرَدَ عنِ السلفِ في ذلك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير