وأختم هذه (الوجازة في محاسن الإجازة) بأن أقول: إذا كانت العلومُ والمعارفُ مواهبَ ربانيةً؛ ورحمةً من الله لَدُنْيَّة، وهي أرزاقٌ يَقْسِمُها الله بين العباد؛ فيعطي من شاء ما شاء؛ ويختص من شاء بما شاء؛ حتى إنك لَتَجِدُ في الرَّوافِدِ ما ليس في الأنْهار؛ فحقيقٌ أن يكونَ الإكثارُ من الشيوخ والأخذِ عنهم اغترافاً من تلك المواهب؛ واطلاعاً على مُخْتَلِفِ الملكات؛ فيحصلَ للطالب بذلك خيرٌ لا يُقًادَر قَدْرُه؛ كما نَبَّهُ عَلَى ذلكَ أبو الطَّيِّبِ البُخارِيُّ في أبْجَدِ العُلُوم، وقَدْ طالَعْنا مَعاجِمَ الأشْياخِ وفهارِسَ الأثباتِ فرأَيْنا العُلَماءَ يُثْبِتُونَ في الشيُوخِ مَنْ سِمِعُوا مِنْهُ المَجلِسَ والمَجْلِسَينِ؛ والفائدَةَ والفائدتَين؛ بلْ والبَيْتَ الواحِدَ مِنَ الشعْر!؛ ورُبَّما حَكَوْا الفائِدَةَ عَنِ العَبْدِ والأمَةِ!!؛ وما ذلكَ إلا للوَجْهِ الذي ذَكَرْناهُ لك، ولما عُرِفَ عنِ السلَفِ رَحِمَهُ الله مَنَ الأمانَةِ فِي نِسْبَةِ الفضْلِ إلى أهْلِهِ وذلكَ مِنْ بَرَكَةِ العِلْمِ رَحِمَهُم الله، على أن الطالبَ لا بُدَّ له مِن بينِ الشيوخِ مِنْ شَيْخٍ يقوم مقامَ الوالد وبَقِيَّتُهُمْ مقامَ الأعْمَامِ؛ كما قالَ العَلامَةُ الشيخُ عُبَيْدُ اللهِ السنْدِيُّ رَحِمَهُ الله.
فِي ذكْرِ بَعْضِ المُكْثِرينَ عن الشيوخِ منْ العلماء
وعلى هذا مضى السلف الأول رحمهم الله؛ حتى رأينا في إكثارهم من الشيوخ عجبا:
فابنُ السَّمْعانِيِّ الإمامُ بلغت شيوخُه سبعة آلاف شيخ!.
والقاسمُ بن داودَ البغداديُّ كتب عن ستة آلاف شيخ!.
وأبو عثمان الصابونِيُّ عن أربعة آلاف شيخ!.
وأبو سعد السمَّانُ عن ثلاثة آلاف وستمائة شيخ!.
وأبو عبد الله بن النجارُ البغدادي؛ اشتملت مشيخته على ثلاثة آلاف شيخ وأربعمائة امرأة!.
وعليُّ بن الشهاب الحسيني الهمذانِي من ولدِ الحسين بن علي رضي الله عنهما؛ دفينُ بدَخْشَانَ- وهي من أعْمالِ أفْغانِستانَ اليوم-؛ المتوفى سنة ست وثمانين وسبعمائة (786)؛ عن ألفٍ وأربعمائة شيخ.
وابنُ عساكِرَ صاحبُ تاريخ دمشقَ عن ألف وثلاثمائة شيخ؛ وعن أكثرَ من ثمانين امرأة!.
وفي معجم شيوخ الذهبي نحوُ ألفٍ من الشيوخ.
وفي فهرس الحافظ ابن حجر رحمه الله سبعمائة من الشيوخ أو يزيدُون.
وفي فهرس ابنِ خَيْرٍ الأشْبِيلِيِّ مئاتٌ من الشيوخ.
وغير هؤلاء كثيرٌ من المكثرين عن الشيوخ؛ ومن آخرهم:
المرتضى الزبيدي مصنف تاج العروس عن ثلاثمائة شيخ أو يزيد.
والعلامة الكتاني صاحب فهرس الفهارس عن نحو هذا العدد أو يزيد من الشيوخ؛ كما ذكر ذلك عن نفسه رحمه الله.
وللشيخِ بَكْرِ بنِ عَبدِ اللهِ أبو زَيد جُزْءٌ جَمَعَهُ في المُكْثِرينَ منَ الشيوخِ، أثبتَ فيهِ جَماعَةً وفاتَهُ جماعَةٌ، رحِمَ اللهُ الجميع.
ثم تقاصرت الهمم بأصحابها؛ وخارَت العزائم؛ إلا من رحم ربك، ردَّ الله أمةَ المسلمين إلى سابِقِ مجدِها وصرْحِ عزتِها وشامخ كرامتها، إنه على كل شيء قدير.
نعم مِلاكُ الأمر كلِّه تقوى الله تعالى؛ وإنما العلم بالعمل؛ وإذا حَسُنَ الجِيدُ زادتْهُ القِلادةُ حُسْنا؛ وبالله التوفيق.
قال كاتِبُهُ عفا اللهُ عنْه: هذا ما يَسَّرَ اللهُ كتابَتَهُ مِنْ رأسِ القلَمِ فِي بَعْضِ الثغُورِ إلى الشيخِ كانَ اللهُ لنا ولهُ، وذلكَ في أواسطِ سَنَةِ سَبْعَةٍ وعِشْرينَ وأربعِمائةٍ وألف، ثم أعَدْتُ النظَرَ فيه في أوائلِ شهرِ ربيعِ الأولِ من شُهُورِ سَنَةِ ثلاثينَ وأرْبَعْمائَةٍ وألف، وزِدْتُ عليهِ من الفوائدِ ما تَيَسَّرَ، وأسألَ اللهَ أن يَذلِلَ العقَباتِ ويُعِينَنِي عَلَى إخراجِ أصْلِهِ، وأنْ يَجْعَلَهُ ذخْراً لي ولقارئِهِ وأجراً، وصلى الله على مُحَمَّدٍ وعلى آلهِ وصحْبِهِ وسلم.
كانَ اللهُ له.
وكَتَبِ: أبو الوليدِ الغزِّيُّ الأنصارِيُّ
ـ[أبو ذر عبد الله السلفي]ــــــــ[02 - 10 - 09, 10:42 م]ـ
جزاك الله خيراً أخي على هذا النقل الموفق مع أن لي بعض التحفظات على ما جاء في الكلام و بارك الله فيك