قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقال الآخر: اللهم كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي، فأردتها عن نفسها، فامتنعت مني، حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني، فأعطيتها عشرين ومائة دينار، على أن تخلى بيني وبين نفسها، ففعلت، حتى إذا قدرت عليها قالت: لا يحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها، وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرتهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين، فقال لي: يا عبد الله، أد إلي أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك، من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله، لا تستهزئ بي! فقلت: إني لا أستهزئ بك، فأخذه كله، فساقه: فلم يترك منه شيئا، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، فخرجوا يمشون.
(5) بالإخلاص تكون النصرة من الله:
قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55)
وقال جل شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7)
و أخرج النسائي بسند صحيح عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أن النَّبِىِّ- صلى الله عليه وسلم - قال: إِنَّمَا يَنْصُرُ اللهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا , بِدَعْوَتِهِمْ , وَصَلاَتِهِمْ , وَإِخْلاَصِهِمْ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم -قَالَ:رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ (أخرجه مسلم 8/ 36 و154).
ومما يعين على الإخلاص:
(1) استحضار عظمة الله، وأن النفع كله بيده، فإن حياة الإنسان وصحته وهواءه وماءه وأرضه وسماءه بيد الله، وليس لأحد تصرف في صغير ولا كبير حتى يقصد بالعمل أو بشيء منه، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ) [الأعراف:194].
وقال تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر:13 - 14].
وفي الصحيح: إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
(2) مجاهدة النفس على الإخلاص، فقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].
وعن سفيانَ الثَّوريِّ، قال: ما عالجتُ شيئاً أشدَّ عليَّ من نيَّتي؛ لأنَّها تتقلَّبُ عليَّ.
وعن يوسُفَ بن أسباط قال: تخليصُ النِّيةِ مِنْ فسادِها أشدُّ على العاملينَ مِنْ طُولِ الاجتهاد.
قال سهل بن عبد الله التستري: ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص، لأنه ليس لها فيه نصيب.
وهذا خالد بن معدان كان رحمه الله: إذا عظمت حلقته من الطلاب قام خوف الشهرة.
(3) العلم بخطر الرياء، فقد حذر الله منه بقوله: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر:65].
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء:48).
¥