التابعين وعلمائهم، وهو أحد الأربعة الذي حملوا عثمان ليلا إلى قبره،
قال أبو مصعب الزبيري: مالك بن أنس من العرب طيبة، وحلفه في قريش في بنى تيم بن مرة،
وكذا قال الواقدى: انه من حمير، وأنهم حلفاء لبنى تيم إلى عثمان بن عبيد الله أخي طلحة بن عبيد الله،
قال الإمام ابن عبد البر: ولا أعلم أن أحدا أنكر أن مالكا ومن ولده كانوا حلفاء لبنى تيم بن مرة، ولا خالف فيه أحد إلا محمد بن إسحاق، فانه زعم أن مالكا وأباه وجده وأعمامه موالى لبنى تيم بن مرة، قال: وهذا السبب لتكذيب مالك لمحمد بن إسحاق وطعنه عليه،
قال أبو مصعب الزبيرى: قدم مالك بن أبى عامر المدينة متظلما من بعض ولاة اليمن، فمال إلى بعض تيم بن مرة، فعاقدهم وصار معهم،
وأما مولده وحليته
فقد قالوا: حملت به أمه سنتين، وقيل ثلاث سنين، وقيل سنة، واختلف في عام ولادته، قيل: سنة ثلاث وتسعين، ونسب هذا القول إليه،
قال الذهبي: وهذا أصح الأقوال، وقيل: إحدى وتسعين، وقيل: سنة تسعين، وقيل: أربع وتسعين،
وفيها ولد الليث بن سعد، وقيل: سنة سبع وتسعين،
قال: وكان رضي الله عنه أشقر شديد البياض، ربعة من الرجال، كبير الرأس أصلع، وكان لايخضب شيبه، ويكره حلق الشارب، ويعيبه ويراه من المثلة، وكان يترك له سبلتين طويلتين، ويحتج بفتل عمر رضي الله عنه لشاربه إذا همه أمر، (1)
قال ابن سعد في الطبقة السادسة: إن مالك بن أنس من تابعي أهل المدينة، فهو من تابع التابعين على الصحيح، وقيل: انه من التابعين، لأنه أدرك عائشة بنت سعد بن أبى وقاص، وقد قيل فيها أنها صحابية، والصحيح فيها أنها ليست بصحابية، لأن الكلاباذى ذكرها في التابعيات، ولم يذكرها ابن عبد البر في الصحابيات،
قال النووي: قد اجتمعت طوائف من العلماء على إمامة مالك وجلالته، وعظم سيادته وتبجيله وتوقيره، والإذعان له في الحفظ والثبات، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جمع بين شرفي الحديث والفقه، فهو إمام الأئمة وشيخهم، قد روى عنه سائر الأئمة خصوصا الأربعة،
أما أبو حنيفة فبلا واسطة، فقد حكي غير واحد أنه لقي مالكا وأخذ عنه،
وقد ألف الدارقطنى كتابا جمع فيه الأحاديث التي رواها أبو حنيفة عن مالك، وان كان أبو حنيفة أكبر من مالك سنا، إذ لاغرابة في أخذ الأكابر عن الأصاغر، فقد أخذ عنه من هو أكبر من أبي حنيفة سنا وأقدم،كابن شهاب الزهري، وربيعة وغيرهما، وما مات حتى احتاج إليه من أشياخه من كان يحتاج إليه،
وأما الشافعي فأمره مشهور معه، حتى قال ابن الأثير: كفى مالكا شرفا أن الشافعي تلميذه، وكفى الشافعي شرفا أن مالكا شيخه، وأما الإمام أحمد فقد أخذ عن الشافعي، فهو شيخه بواسطة،
(1) قال الذهبي في التذكرة: أنه كان إذا اعتم جعل منها تحت ذقنه، ويسدل طرفها بين كتفيه، وقال الزبيري كان مالك يلبس الثياب المدنية، والجياد الخراسانية والمصرية، ويتطيب بطيب، ويقول: ما أحب لأحد أنعم الله عليه إلا أن يرى أثر نعمته عليه،
(2) وكان يقول: أحب للقارئ أن يكون أبيض الثياب،) أوجز المسالك 1/ 100
(3) وكان لايأكل ولا يشرب حيث يراه الناس أوجز المسالك 1/ 102
(4) وكان له حاجب يأذن أولا للخاصة، فإذا فرغوا أذن للعامة، وكان رحمه الله كثير الصمت، قليل الكلام، متحفظا للسانه / أوجز المسالك 1/ 101
ومناقب هذا الإمام وفضائله رضي الله عنه تخرج عن أن تحصى، ولا يمكن فيها الحصر ولا الاستقصاء،
قال الحافظ الذهبي: قد كنت أفردت ترجمة الإمام مالك في جزء، وطولتها في تاريخي الكبير،
وقد اتفق لمالك مناقب ما علمتها اجتمعت لغيره:
احدها: طول العمر وعلو الرواية
وثانيها: الذهن الثاقب والفهم وسعة العلم
وثالثها: اتفاق الأئمة على أنه حجة صحيح الرواية
ورابعها: تجمعهم على دينه وعدالته وإتباعه السنن
وخامسها: تقدمه في الفقه والفتوى، وصحة قواعده،
نفعنا الله والمسلمين به وبأمثاله، وأدار علينا مدرار كرمه وأفضاله،
وأما من روى عنه من مشايخه وغيرهم، فقد قال ابن عبد البر: روى عن مالك رحمه الله جماعة من شيوخه الذين روى عنهم، منهم: يحي بن سعيد الأنصاري، وأبو الأسود القرشي المعروف بيتيم عومرة، وزياد بن سعد، وروى عنه من الأئمة دون هؤلاء أبو حنيفة، وسفيان الثوري، وابن عيينة، وشعبة بن الحجاج، والأوزاعي، والليث بن سعد، وكلهم مات قبله إلا ابن عيينة، وقيل: انه روى عنه ابن شهاب، ولا يصح، وإنما روى عن عمه أبى سهيل نافع بن مالك حديثا واحدا، فقال: حدثني مالك عن نافع مولى اليمنيين، وقد روى عن مالك أنه قال: ليته لم يرو عنا شيئا،
قال ابن عبد البر: مازال العلماء يروى بعضهم عن بعض، ولكن رواية هؤلاء الجملة عن مالك وهو حىّ دليل على جلالة قدره، ورفيع مكانه غي علمه ودينه وحفظه وإتقانه،
وأما الذين أخذوا عنه الموطأ، والذين رووا عنه الحديث ومسائل الرأي فأكثر من أن يحصوا، فقد بلغ فيهم الدارقطنى في كتاب جمعه في ذلك نحو ألف رجل، (1)
(1) قال الدارقطنى: لا أعلم أحدا ممن تقدم أو تأخر اجتمع له ما اجتمع لمالك، روى عنه رجلان حدثا واحدا بين وفاتيهما نحوا من مائة وثلاثين سنة، الزهري شيخه توفى سنة خمس وعشرين ومائة، وأبوحذافة السهمي توفى بعد الخمسين ومائتين، رويا عنه حديث الفريعة بنت مالك في سكنى المعتدة شرح الزرقانى 1/ 58
¥