ـ[حمادى محمد بوزيد]ــــــــ[26 - 12 - 09, 02:16 ص]ـ
الباب الثاني
في التعريف بمؤلف الموطأ رضي الله عنه
فاعلم أن فضل هذا الإمام الشهير، وعظم شأن قدره خطير، قد أفردت ترجمته كما قال الزرقانى بالتآليف العديدة، والمصنفات المديدة،
وقال ابن عبد البر: قد ألف الناس في فضله كتبا كثيرة، ومصنفات شهيرة، والمذكور من ذلك هاهنا قدر يسير، للتبرك بجنابه الأثير، وهو مسائل قليلة، للإشارة إلى نزر من تعريفه وفضائله الجزيلة، وذكر نسبه ومولده وحليته ومن روى عنه، وثناء أهل الفضل من أقرانه ومشايخه عليه، وهيبته ووقاره وشدة تعظيمه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم،وسبب محنته في الله ووفاته وما رثي به بعد مماته،وما قاله قرب احتضاره، خصوصا فيما يتعلق بلزوم الكتاب والسنة والحث عليهما، والعض بالنواجذ، وترجمة صاحبه يحي بن عيسى صاحب الرواية الشهيرة والطريق الأثيرة،
فأما التعريف به ونسبه فأقول: هو الإمام الحافظ فقيه الأمة، وإمام الأئمة، قدوة الأنام، وشيخ الإسلام أبو عبد الله الأصبحى المدني، إمام دار الهجرة مالك ابن أنس، بن مالك بن أبى عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان، ((بغين معجمة وياء تحتها نقطتان)) ويقال عثمان، كالجادة ابن جثيل، بجيم وثاء مثلثة وياء ساكنة تحتها نقطتان، وقيل: بالخاء المعجمة، وقيل: انه بالجيم تصحيف، ابن عمر بن ذي أصبح واسمه الحارث بن حمير بن سباجره الأعلى أبو عامر، صحابي جليل، شهد المغازى كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلا بدرا، وابنه مالك جد الإمام مالك من كبار التابعين وعلمائهم، وهو أحد الأربعة الذي حملوا عثمان ليلا إلى قبره،
قال أبو مصعب الزبيري: مالك بن أنس من العرب طيبة، وحلفه في قريش في بنى تيم بن مرة،
وكذا قال الواقدى: انه من حمير، وأنهم حلفاء لبنى تيم إلى عثمان بن عبيد الله أخي طلحة بن عبيد الله،
قال الإمام ابن عبد البر: ولا أعلم أن أحدا أنكر أن مالكا ومن ولده كانوا حلفاء لبنى تيم بن مرة، ولا خالف فيه أحد إلا محمد بن إسحاق، فانه زعم أن مالكا وأباه وجده وأعمامه موالى لبنى تيم بن مرة، قال: وهذا السبب لتكذيب مالك لمحمد بن إسحاق وطعنه عليه،
قال أبو مصعب الزبيرى: قدم مالك بن أبى عامر المدينة متظلما من بعض ولاة اليمن، فمال إلى بعض تيم بن مرة، فعاقدهم وصار معهم،
وأما مولده وحليته
فقد قالوا: حملت به أمه سنتين، وقيل ثلاث سنين، وقيل سنة، واختلف في عام ولادته، قيل: سنة ثلاث وتسعين، ونسب هذا القول إليه،
قال الذهبي: وهذا أصح الأقوال، وقيل: إحدى وتسعين، وقيل: سنة تسعين، وقيل: أربع وتسعين،
وفيها ولد الليث بن سعد، وقيل: سنة سبع وتسعين،
قال: وكان رضي الله عنه أشقر شديد البياض، ربعة من الرجال، كبير الرأس أصلع، وكان لايخضب شيبه، ويكره حلق الشارب، ويعيبه ويراه من المثلة، وكان يترك له سبلتين طويلتين، ويحتج بفتل عمر رضي الله عنه لشاربه إذا همه أمر، (1)
قال ابن سعد في الطبقة السادسة: إن مالك بن أنس من تابعي أهل المدينة، فهو من تابع التابعين على الصحيح، وقيل: انه من التابعين، لأنه أدرك عائشة بنت سعد بن أبى وقاص، وقد قيل فيها أنها صحابية، والصحيح فيها أنها ليست بصحابية، لأن الكلاباذى ذكرها في التابعيات، ولم يذكرها ابن عبد البر في الصحابيات،
قال النووي: قد اجتمعت طوائف من العلماء على إمامة مالك وجلالته، وعظم سيادته وتبجيله وتوقيره، والإذعان له في الحفظ والثبات، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جمع بين شرفي الحديث والفقه، فهو إمام الأئمة وشيخهم، قد روى عنه سائر الأئمة خصوصا الأربعة،
أما أبو حنيفة فبلا واسطة، فقد حكي غير واحد أنه لقي مالكا وأخذ عنه،
وقد ألف الدارقطنى كتابا جمع فيه الأحاديث التي رواها أبو حنيفة عن مالك، وان كان أبو حنيفة أكبر من مالك سنا، إذ لاغرابة في أخذ الأكابر عن الأصاغر، فقد أخذ عنه من هو أكبر من أبي حنيفة سنا وأقدم،كابن شهاب الزهري، وربيعة وغيرهما، وما مات حتى احتاج إليه من أشياخه من كان يحتاج إليه،
وأما الشافعي فأمره مشهور معه، حتى قال ابن الأثير: كفى مالكا شرفا أن الشافعي تلميذه، وكفى الشافعي شرفا أن مالكا شيخه، وأما الإمام أحمد فقد أخذ عن الشافعي، فهو شيخه بواسطة،
¥