فالإنسان بالإسلام يتحرر من سيطرة الهوي والشهوة، والسلطان الذي يسيطر عليه إنما هو سلطان الشرع الحنيف، قال تعالي (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى).
إذن هي حرية في صورة العبودية، ولا يمكن للبشرية أن تتحرر حقًا إلا بتحقيق هذه العبودية.
والحرية في غير الإسلام تصبح حرية جوفاء لا معني لها، بل هي العبودية المذلة المهينة، وإن بدت في صورة الحرية، فإن الخضوع للطواغيت من الزعماء والرؤساء والمناهج والقوانين والنظم وما تهواه الأنفس بعيدًا عن تشريع الخالق إنما هو عبودية لغير الله وأي عبودية:
هربوا من الِّرقِّ الذي خُلِقُوا له فَبُلُوا بِرقِّ الكفرِ والشيطانِ
ولتعلمي أختي المسلمة أن التشريعات الإسلامية منزهة عن الظلم والإجحاف (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
دعونا نقولها وبصراحة: نحن لا ننكر أن الهوة فسيحة بين ما نحن عليه، وبين ما ينبغي أن نكون عليه، ويُخطئ من يعتذر عن هذا بأن خروج المرأة ومغادرتها حصنها مخالطةً للرجال قد أصبح أمرًا واقعًا وقاعدة مقررة، فلا نملك إلا الخضوع لها والجريان وراء التيار ..
ولكن كلامنا نقوله لكل مسلمة ترجو الله واليوم الآخر، وتعلم أنها مسئولة غدًا بين يدي ربها عز وجل: إن هذا الذي يُسمي "الأمر الواقع" سوف يظل في ميزان إسلامنا الحنيف باطلاً منقوضًا مهما طال العهد عليه لأنها سنن الله الكبري التي لا تتبدل ولا تتحول، والمعاند لها هالك لا محالة، فالحق واحد لا يتغير، ومهما يتقادم العهد علي الباطل فسيظل باطلاً، ومهما يجر العمل علي غير الحق فسيظل الحق هو هو وإن حاد عنه كل الناس، ثم إنه لا يبقي علي توالي الأزمان إلا الحق، لآن الباطل زهوق لا تدوم له دولة، والحق هو الناموس، هو قانون الله الذي لا يتبدل، هو فطرة الله التي فطر عليها الخلق، هو ما ركبه الله سبحانه في طبائع الأشياء حين أعطي كل شيء خلقه ثم هدي (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)، ولكن الذي يحول ويزول هو المعاند لسنة الله وفطرته، والذي يعارض الناموس ويخرج علي الفطرة، كالوعل الأحمق الذي وصفه الأعشي قديمًا حين قال:
كناطِحٍ صخرةً يومًا ليُوهنها فلم يَضرها وَأوهَي قَرْنَه الوَعْلُ
إن الله سبحانه وتعالي عليم بخلقه سواء منهم الرجل أو المرأة أو الشيطان قال جل وعلا (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) وقد نبهنا الله سبحانه أن غاية الشيطان في هذا الباب أن يوقع النوعين في حضيض الفحشاء، لكنه يسلك في تزيينها، والإغراء بها مسلك التدرج والإستدراج عن طريق خطوات يقود بعضها إلي بعض.
وإن الأصل الأصيل اعتبار قرار المرأة في البيت في دائرة عملها، وكما ذكرنا كلام الإمام القرطبي أن الشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن. وإليكِ أختي المسلمة بعض الأدلة الدالة علي ذلك:
* تفسير قول الله عز وجل (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ):
قال الإمام أبو بكر الجصاص رحمه الله تعالي:
إن معني (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) كن أهل وقار وهدوء وسكينة، يُقال: وقر فلان في منزله يقر وقورًا إذا هدأ واطمأن به، وفيه الدلالة علي أن النساء مأمورات بلزوم البيوت منهيات عن الخروج.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله:
قوله تعالي (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) يعني اسكنَّ فيها، ولا تتحركن، ولا تبرحن منها حتى إنه رُوي –ولم يصح- أن النبي صلي الله عليه وسلم لما انصرف من حجة الوداع قال لأزواجه "هذه، ثم ظهور الحصر"، إشارة إلي ما يلزم المرأة من لزوم بيتها، والإنكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة.
قال الشيخ محمد المقدم تعليقًا علي الحديث الماضي: لكن صححه الحافظ ابن حجر في فتح الباري 4/ 88، وأنظر صحيح الجامع الصغير 6/ 77.
وقال الإمام أبو عبد الله القرطبي رحمه الله:
معني هذه الآية بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي فقد دخل غيرهن فيه بالمعني، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والإنكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة.
وقال الألوسي رحمه الله:
¥