وَالْأَصْلُ فِيهِ عَدَمُ الْحَظْرِ، فَلَا يَحْظُرُ مِنْهُ إلَّا مَا حَظَرَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ مِمَّا شَرَعَ اللَّهُ - تعالى -، وَالْعِبَادَةُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَأْمُورًا بِهَا، فَمَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مَأْمُورٌ كَيْفَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ؟ وَمَا لَمْ يَثْبُتْ مِنْ الْعَادَاتِ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَيْفَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَحْظُورٌ؟
وَلِهَذَا كَانَ أَصْلُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ: أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِبَادَاتِ التَّوْقِيفُ، فَلَا يُشْرَعُ مِنْهَا إلَّا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ - تعالى -وَإِلَّا دَخَلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ".
وَالْعَادَاتُ الْأَصْلُ فِيهَا الْعَفْوُ، فَلَا يُحْظَرُ مِنْهَا إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَإِلَّا دَخَلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: "قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا".
وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ شَرَّعُوا مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، وَحَرَّمُوا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ مِنْ قَوْلِهِ: "وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ، وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ". وَقَالُوا: "هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ".
فَذَكَرَ مَا ابْتَدَعُوهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَمِنْ التَّحْرِيمَاتِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ اللَّهُ - تعالى -: إنِّي خَلَقْت عِبَادِي حُنَفَاءَ فَاجْتَالَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْت لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا ". وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ نَافِعَةٌ. ا. هـ.
الوَجهُ الثَّالث:
الأذكار التي وردت في ثنايا النشرة لم تحدد بعدد معين في مصادرها الأصلية فيكون هذا مخالفة واضحة لتلك الأحاديث، وهذا ولا شك من البدع.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُو رد".
قال الجيزاني في كتاب " قواعد معرفة البدع " (ص110):
القاعدة الثامنة: كل عبادة وردت في الشرع على صفة مقيدة، فتغيير هذه الصفة بدعة.
ويدخل تحت هذه القاعدة الصور التالية:
1 - المخالفة في الزمان كالتضحية في أول أيام ذي الحجة.
2 - المخالفة في المكان كالاعتكاف في غير المساجد.
3 - المخالفة في الجنس كالتضحية بفرس.
4 - المخالفة في القدر (العدد) كزيادة صلاة سادسة.
5 - المخالفة في الكيفية (الترتيب) كبدء الوضوء بغسل الرجلين ثم غسل اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الوجه. ا. هـ.
الوَجْهُ الرَّابَعُ:
على فرض التسليم بذكر الأعداد الواردة في النشرة فإنه لا بد من إطرادها على جميع الأذكار، وهذا ما لا يقوله عاقل عارف بخطر البدعة.
الوَجْهُ الخَامِسُ:
في آخر النشرة ذكرُ أعمالٍ يمكن أن تكتب مثلها أضعاف هذه الورقة.
ذكرت الورقة أصلا واحدا من أصول قبول العمل ولم تذكر الأصل الثاني وهو المتابعة، والنشرة خالية عن الأصل الثاني وهو المتابعة.
قالت النشرة: يا أخي الحبيب عليك الإخلاص عند فعل هذه الأمور وتأمل ما تقوله وما تفعله واستشعر مراقبة الله لك فإنه بقدر إخلاصك ومراقبتك يعظم أجرك وتكثر حسناتك وهذه الأمور فعلها سهل. ا. هـ
قال الحافظ ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " (1/ 72):
وإنما يتم ذلك بأمرين:
أحدهما: أن يكون العمل في ظاهره على موافقة السنة، وهذا هو الذي تضمنه حديث عائشة: " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ".
الثاني: أن يكون العمل في باطنه يقصد به وجه الله - عز وجل -، كما تضمنه حديث عمر: " الأعمال بالنيات ".
وقال الفضيل بن عياض في قوله - تعالى -: " لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا " [الملك: 2] قال: أخلصه وأصوبه. وقال: إن العمل إذا كان خالصا، ولم يكن صوابا، لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا، لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، قال: الخالص إذا كان لله - عز وجل -، والصواب إذا كان على السنة.
وقد دل على هذا الذي قاله الفضيل قول الله - عز وجل -: " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ". [الكهف: 110]. ا. هـ.
عبد الله زقيل