[بكيت بكاءا شديدا يا توبة! فقلت لنفسي وقالت لي؟]
ـ[طالبة العلم سارة]ــــــــ[08 - 04 - 08, 06:28 م]ـ
في رسالة عابرة أرسلتها لي الأخت الغالية توبة تسألني عن الصمت العارم علي رغم وجودي فقلت ...
قلت لنفسي وقالت لي؟ يا توبه
قلت لنفسي: ويحك يا نفس! مالي أتاحمل عليك , فإذا وفيت بما في وسعك أردت منك ما فوقه وكلفتك أن تسعي. فلا أزال أعنتك من بعد كمال فيما هو أكمل منه , وبعد الحسن فيما هو الأحسن , وما أنفك أجهدك كلما راجعك النشاط , وأضنيك كلما ثابت القوة , فإن تكن لك هموم أنا أكبرها , وإذا ساورتك الأحزان فأكثرها مما أجلب عليك.
أنت يا نفس سائرة على النهج , وأنا أعتسف بك أريد الطيران لا السير , وأبتغي عمل الأعمار في عمر , وأستحثك من كل هجعة راحة يفجر تعب جديد.
وقالت لي النفس: أما أنا فإني معكم دأبا كالحبيبة الوفية لمن تحبه: ترى خضوعها أحيانا هو أحسن المقاومة , وأما أنت فإذا لم تكن تتعب ولا تزال تتعب فكيف تريني أنك تتقدم ولا تزال تتقدم؟
ليست دنياك يا صاحبي ما تجده من غيرك , بل ما توجده بنفسك , فإن لم تزد شيئا على الدنيا كنت أنت زائدا على الدنيا , وفي نفسك أول حدود دنياك وآخر حدودها. وقد تكون دنيا بعض الناس حانوتا صغيرا , ودنيا الآخر كالقرية الململمة , ودنيا بعضهم كالمدينة الكبيرة , أما دنيا العظيم فقارة بأكملها , وإذا انفرد أمتد في الدنيا فكان هو الدنيا.
والقوة يا صاحبي تغتذي بالتعب والمعاناة , فما عانيته اليوم حركة من جسمك , ألفيته غدا في جسمك قوة من قوى اللحم والدم. وساعة الراحة بعد أيام من التعب هي في لذاتها كأيام من الراحة بعد تعب ساعة.
اتعب تعبك يا صاحبي.
وأنت إنماتكد لتسمو بروحك إلى همومالحقيقة العالية , وتسمو بجسمك إلى مشقات الروح العظيمة , فذلك يا صاحبي ليس تعبا في حفر الأرض , ولكنه تعب في حفر الكنز اتعب يا صاحبي تعبك فإن عناء الروح هو عمرها فأعمالك عمرك.
قلت لنفسي: فقد مللت أشياء وتبرمت بأشياء. وإن عمل التغيير في الدنيا لهو هدم لها كلما بنيت , ثم بناؤها كلما هدمت , فما من شئ إلا وهو قائم في الساعة الواحدة بصورتين معا , وكم من صديق خلطته بالنفس يذهب فيه ذهاب الماء في الماء , حتى إذا مر يوم , أو عهد كاليوم , رأيت في مكانه إنسانا خياليا كمسألة من مسائل النحاة فيه قولان ... ! فهو يحتمل في وقت واحد تأويل ما أظن به من خير , وما أتوقع به من شر! وكم اسم جميل إذا هجس في خاطري قلت: آه, هذا الذي كان .... !
وقالت لي النفس: وأنت ما شأنك بالناس والعالم؟ يا سارة ليس لمصباح الطريق أن يقول " إن الطريق مظلم "
إنما قوله إذا أراد كلاما أن يقول: " هأنذا مضئ ".
اعمل يا صاحبي عملك , فإذا رأيت في العاملين من يضجر فلا تضجر مثله , بل خذ اطمئنانه إلى اطمئنانك , ودعه يخلو وتضاعف أنت.
وقالت لي النفس: إن من فاق الناس بنفسه الكبيرة كانت عظمته في أن يفوق نفسه الكبيرة , إن الشئ النهائي لا يوجد إلا في الصغائر والشر , أما الخير والكمال وعظائم النفس والجمال الأسنى , فهذه حقائق أزلية وجدت لنفسها: كالهواء يتنفسه كل الأحياء على هذه الأرض ولا ينتهي , ولا يعرف أين ينتهي.
اجهد جهدك يا صاحبي , فما هو قفصك الفكري ذلك الشعاع الذي يحبسك , ولكنه صقل النفس لتتلقى الأنوار , ولابد للمرآة من ظاهر الحجر لتكون به مرآة.
قلت لنفسي: فما أشد مضضا أعانيه! إن أمري ليذهب فرطا أكلما ابتغيت من الحياة مرحا أطرب له وأهتز , جائتني الحياة بفكرة أستكد فيها وأدأب؟ أهذا السرور الذي لا يزال يقع بين الناس هو الذي لا يكاد يقع لي؟ وهل أنا شجرة في مغرسها: تنمو صاعدة بفروعها , ونازلة بجذورها , غير أنها لا تبرح مكانها؟
وقالت لي النفس: إن فأس الحطاب لا تكون من أداة الطبيب , فخذ لكل شئ أداته , وكن جاهلا أحيانا , ولكن مثل الجهل الذي يصنع لوجه الطفل بشاشته الدائمة , لهذا الجهل هو أكبر علم الشعور الدقيق المرهف.
اجهل جهلك يا صاحبي في هذه الشهوات الخسيسة , فإنها العلم الخبيث الذي يفسد الروح , واعرف كيف تقول لروحك الطفلة في ملائكيتها حين تساورك الشهوات: هذا ليس لي , هذا لا ينبغي لي.
¥