وهو ما يتحلى به في الأرجل من خلخال وغيره، فإذا كان صوت الخلخال بريدا إلى فتنة، فكيف بالوجه الذي يحكي الجمال، والشباب، والنضارة. وصوت الخلخال يصدر من فتاة وعجوز، ومن الجميلة ومن الدميمة.
أما الوجه فلا يحتمل إلا صورة واحدة.
يقول صاحب الدار المختار في فقه أبي حنيفة- رحمه الله-: "وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال، لخوف الفتنة كمسه، وإن أمن الفتنة".
ويقول عليه الشارح ابن عابدين- رحمه الله-: "المعنى أنها تمنع من الكشف، لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع في الفتنة، لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة، وأما قوله: (كمسه) أي: كما يمنع من مس وجهها وكفيها، وإن أمن الشهوة، لأنه سبيل إلى الشهوة والفتنة فكذلك يغطى الوجه، لأنه طريق إلى الفتنة.
وقبله قال أبو بكر بن الجصاص: "والمرأة الشابة مأمورة بستر وجهها، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج، لئلا يطمع فيها أهل الريب".
وفي السنة أيها المؤمنون والمؤمنات أبيح للخاطب النظر من أجل الخطبة، فغير الخاطب ممنوع من النظر. والمقصود الأعظم من النظر هو الوجه، ففيه يتمثل جمال الصورة.
وحينما قال- صلى الله عليه وسلم-: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة.
قالت أم سلمة- رضي الله عنها-: فكيف يصنع الناس بذيولهن؟ أي: الأطراف السفلى من الجلباب والرداء.
قال: يرخين شبرا.
قالت: إذا تنكشف أقدامهن!
قال: فيرخينه ذراعا ولا يزدن عليه» [رواه البخاري ومسلم]
فإذا كان هذا في القدم فالوجه أكثر فتنة، فلا يعدو أن يكون تنبيها بالأدنى عن الأعلى. والحكمة والنظر تأبيان ستر ما هو أقل فتنة، والترخيص في كشف ما هو أعظم فتنة.
ومهما قيل في الحجاب، في كيفيته وصفته، فما كان يوما ما عثرة تمنع من واجب، أو تحول دون الوصول إلى حق، بل لقد كان ولا يزال سبيلا قويا يمكن المرأة من أداء وظيفتها بعفة، وحشمة، وطهر، ونزاهة على خير وجه وأتم حال.
وتاريخ الأمة شاهد صدق لنساء فضليات جمعن في الإسلام أدبا، وحشمة، وسترا، ووقارا، وعملا مبرورا، دون أن يتعثرن بفضول حجابهن، أو سابغ ثيابهن.
وإن في شواهد عصرنا من فتياتنا المؤمنات، متحجبات بحجاب الإسلام، متمسكات بهدي السنة والكتاب قائمات بمسؤولياتهن، خير ثم خير من قرينات لهن، شاردات كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، متبرجات بزينتهن تبرج الجاهلية الأولى.
وليعلم دعاة السفور، ومن وراءهم أن التقدم والتخلف له عوامله وأسبابه، وإقحام الستر والاحتشام، والخلق والالتزام عاملا من عوامل التخلف، خدعة مكشوفة، لا تنطلي إلا على غافل ساذج، في فكره دخل، أو في قلبه مرض.
ودعاة السفور ليسوا قدوة كريمة في الدين والأخلاق، وليسوا أسوة في الترفع عن دروب الفتن، ومواقع الريب {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} [المائدة:56 - 55].
أيها الأخوة
إن وظيفة المرأة الكبرى، ومهمتها العظمى في بيتها، وأسرتها وأولادها، وكل ما تتحلى به من علم ووعي يجب أن يكون موجها لهذه المهمة، وتأهيلا لهذه الوظيفة.
الرجل هو الكادح في الأسواق، والمسؤول عن الإنفاق، والمرأة هي المربي الحاني، والظل الوارف للحياة كلما اشتد لفحها، وقسا هجيرها.
وإن انسلاخ أحد الجنسين عن فطرته من أجل أن يلحق بجنس ليس منه تمرد على سنة الله، واعوجاج عن الطريق المستقيم. ولن يفيد العالم من ذلك إلا الخلل والاضطراب، ثم الفساد والدمار. وما لعن المتشبهون من الرجال بالنساء ولا المتشبهات من النساء بالرجال، إلا من اجل هذا.
وسوف تحيق اللعنة، ويتحقق الإبعاد عن مواقع الرحمة، في كل من خالف أمر الله، وتمرد على فطرة الله.
أيها المؤمنون
كما أمرت المؤمنة بلزوم الحجاب عند خروجها ومقابلة غير المحارم فقد أمرت أن تقر في بيتها، فبيتها خير لها، ووظيفتها من أشرف الوظائف في الوجود، وما يحسنها ولا يتأهل لها إلا من استكمل أزكى الأخلاق، وأنقى الأفكار.
إن من الخطأ في الرأي والفساد في التصور، الزعم بأن المرأة في بيتها قعيدة لا عمل لها، فما هذا إلا جهل مركب، وسوء فهم غليظ، سوء فهم بمعنى الأسرة، وجهل بطبيعة المجتمع الإنساني، والتركيب البشري.
والأشد والأنكى الظن بأن هذه الوظيفة قاصرة على الطهي والخدمة، إنها تربية الأجيال والقيام عليها، حتى تنبت نباتا حسنا، ذكورا وإناثا، إنها في الإسلام تعدل شهود الجمع والجماعات في حق الرجال، وتعدل حج التطوع والجهاد.
«جاءت أسماء بنت السكن الأنصارية الأشهلية- رضي الله عنها-الملقبة بخطيبة النساء. جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، إن الله بعثك للرجال والنساء كافة فآمنا بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات، ومقصورات مخدورات، قواعد بيوتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات، وفضلتم علينا بشهود الجنائز، وعيادة المرضى، فضلتم علينا بالحج بعد الحج، وأعظم من ذلك الجهاد في سبيل الله , وإن الرجل منكم إذا خرج لحج أو عمرة أو جهاد، جلسنا في بيوتكم نحفظ أموالكم، ونربي أولادكم، ونغزل ثيابكم، فهل نشارككم فيما أعطاكم الله من الخير والأجر؟
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم بجملته- يعني بجسده- وقال: (هل تعلمون امرأة أحسن سؤالا عن أمور دينها من هذه المرأة)
قالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تسأل سؤالها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أسماء، افهمي عني، أخبري من وراءك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لرغباته يعدل ذلك كله.
فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر وتردد: (يعدل ذلك كله، يعدل ذلك كله)» [أخرجه البيهقي في شعب الإيمان].
فهل يفقه هذا نساء المؤمنين؟؟
¥