كما يرفع الله تعالى منزلة الرجل الحليم، فإنه يناصره ويقف إلى جواره أمام من يعاديه، فقد روي أن رجلا جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، ويجهلون علي، وأحلم عنهم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن كان كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك)
ويعد الحلم وسيلة إلى تبوء المراكز الهامة في المجتمع، وكانت العرب تقول في أمثالها: (من حلم ساد) ومن هؤلاء الذين تزعموا أقوامهم بسبب حلمهم عرابة بن أوس، والأحنف بن قيس، وروي أن معاوية بن أبي سفيان قال لعرابة بن أوس: بم سدت قومك يا عرابة؟ فقال عرابة: يا أمير المؤمنين كنت أحلم عند جاهلهم، وأعطي سائلهم، وأسعى في حوائجهم، فمن فعل منهم فعلي فهو مثلي، ومن جاوزني فهو أفضل مني، ومن قصر عني فأنا خير منه
وإن الحلم فضيلة تقع بين رذيلتين متباعدتين، فمن وراء يمين الحلم يأتي التباطؤ والكسل، والتواني والإهمال، وتتبدل الطبع عند مثيرات الغضب، ومن وراء يسار الحلم يأتي التسرع في الأمور واستعجال الأشياء قبل أوانها، والذي جعل الحلم فضيلة خلقية هو اعتداله، ومسايرته لمقتضى العقل السليم، والآثار النافعة المفيدة الخيرة التي تترتب عليه.
ولقد ضرب رسول الله-صلى الله عليه وسلم أروع المثل للمسلمين في الحلم فقد روى البخاري عن أبي هريرة قال: بال أعربي في المسجد، فقام الناس ليقعوا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء، فإنما بعثتم مسيرين، ولم تبعثوا معسرين) فقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا أصحابه، كيف يكون الحلم بالجاهلين وكيف يكون الرفق بهم.
ومن حلم الرسول صلى الله عليه وسلم عدم دعائه على الذين آذوه من قومه، وقد كان باستطاعته أن يدعو عليهم، فيهلكهم الله، ولحلمه بهم غاية يهدف إليها فهو يرحمهم لعلهم بعد مدة يؤمنون فينجون من عذاب النار، فيحلم بهم رجاء إصلاحهم روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء صلوات الله عليهم، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه
ويقول: (اللهم أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)
والغضب هو مفتاح الشر،فالشخص الذي يغضب سريعا، كثيرا ما تصدر عنه تصرفات خاطئة، لذا روي أن أبا الدرداء قال: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال رسول الله:صلى الله عليه وسلم (لا تغضب ولك الجنة) وقد مدح عليه الصلاة والسلام أشبح عبد القيس فقال: (إنك فيك خصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة) ومن أن عمر بن عبد العزيز دخل المسجد في أحد الليالي، وكان مظلما لا نور فيه فعثر برجل نائم، فرفع الرجل رأسه إليه وقال: أمجنون أنت؟ فقال عمر بن عبد العزيز: لا، فهم الشرطي الذي كان يصحبه بضرب الرجل،فقال له عمر: لا تفعل إنما سألني أمجنون أنا؟، فقلت لا
وكما رغب الإسلام بالحلم وحث عليه، حذر من الأخلاق المنافقية له، وعمل على تربية المسلمين تربية عملية تأخذ بأيديهم حتى يكونوا حلماء.
وإن الحلم لفضيلة حيوية للمسلمين، فهو يصون علاقاته مع أهله،وجيرانه، وزملائه، وشركائه، وكل من يتعامل معه وكلما زادت سلطاته وقدراته ونفوذه، كان حلمه أنفع له ولمن يحكم.
نظر الغضب إلى الحلم نظرة ازدراء .. كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد وقال بصوت مرتفع .. والنيران حوله.
أنا الذي أشفي غليل الناس , وأطفئ ما في نفوسهم من نيران تتأجج أنا الذي ......
فلم يدعه الحلم يكمل كلماته النار يه فقال له بصوت منخفض هادئ:
بل أنت الذي تفرق بين الناس .. وتشعل العداوة بينهم .. إن اسمك يثير الاشمئزاز في النفوس .. انك اغضب ,أنت الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم من جاء يستوصيه فقال له: (لا تغضب).
خفض الغضب صوته .. وقال بسرعة: انك .. انك الحلم .. اني أعرفك .. أنت من ا ذا دخلت في أحد جعلته ذليلا مستكينا .. خافض الرأس.
الحلم: بل أنا الذي اجعل الإنسان عزيز .. لأنه بي يستطيع كسب ود الناس .. ويتغلب على ثورة نفسه .. وأنا أحد الخصلتين اللتين يحبهم الله ورسوله ..
استشاط الغضب غضبا وقال: أنا الذي إذا حللت جعلت العسير يسيرا .. ألا ترى؟ .. انه إذا لم يستطع إنسان القيام بعمل ما .. استخدمني ليحققه؟؟
الحلم: كذبت .. ألم تسمع قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا الرفق لا يكون في شئ إلا زانه .. ولا ينزع منه شئ إلا شانه) , انك أنت الذي تثير العنف .. وأنا أقود الرفق.
انتفخت أو داج الغضب وكاد يتفجر وتعثرت الكلمات في فمه ..
فاجأه الحلم بقصة الأعرابي الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبه شيئا .. فأعطاه وقال له: أحسنت إليك؟ فقال الأعرابي: لا , ولا أجملت .. ؟ فغضب الناس وقاموا إليه .. فأشار الرسول إليهم أن: كفوا .. قام الرسول صلى الله عليه وسلم فدخل منزله فأرسل إليه وزاده شيئا فأعاد عليه: أحسنت إليك؟
قال: نعم ,فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا.
لتكونحليماً يجب أن تكون طلق الوجه ... أن لا تغتاب أحداً في حياتك. .أن تكون سخياً معطاء جواداً .. أن لا تهجر فوق ثلاث فلا يكون حليماً من يهجر أخاه .. أن تعود نفسك على أن تسلّم على الناس. وأن تكون بهم رفيقاً .. أن لا تروّع أحداً في حياتك "من أخاف مسلماً أخافه الله تعالى يوم القيامة" .. أن تيسّر على الناس كما قال رسول الله: إنما بعثتم ميسرين لا معسرين.
أن تكون هيناً ليناً سهلاً ** ... [فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ... ]
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
http://muslm.net/vb/showthread-t_286647.html
¥