بشيء مثل النظر فاني أبذر به في القلب بذر الشهوة
ثم أسقيه بماء الامنية ثم لا أزال أعده وامنية حتى أقوى عزيمته وأقوده بزمام الشهوة إلى انخلاع من العصمة فلا تهملوا أمر هذا الثغر وأفسدوه بحسب استطاعتكم وهو نوا عليه أمره وقولوا له مقدار نظرة تدعوك الى تسبيح الخالق والرازق البديع والتأمل والتجمل صفته وحسن هذه الصورة التي إنما خلقت ليستدل بها الناظر عليه وما خلق الله لك العينين سدي وما خلق الله هذه الصورة ليحجبها عن النظر
وإن ظفر تم به قليل العلم فاسد العقل فقولوا له هذه الصورة مظهر من مظاهر الحق ومجلى من مجاليه فادعوه الى القول بالاتحاد فإن لم يقبل فالقول بالحلول العام والخاص ولا تقنعوا منه بدون ذلك فانه يصير به من إخوان النصارى فمروه حينئذ بالعفة والصيانة والعبادة والزهد في الدنيا واصطادوا عليه الجهال فهذا من أقرب خلفائي وأكبر جندي بل أنا من جنده وأعوانه
ثم أمنعوا ثغر الاذن أن يدخل عليه مايفسد عليكم الأمر فاجتهدوا أن لا تدخلوا منه الا الباطل فانه خفيف على النفس تستحليه وتستملحه وتخيروا له أعذاب الالفاظ وأسحرها للالباب أمزجوه بما تهوي النفس مزجا وألقوا الكلمة فان رأيتم منه إصغاء اليها فزيدوه باخوانها فكلما صادفهم صادقتم منه استحسان شيء فالهجوا له بذكره
وإياكم أن يدخل من هذا الثغر شىء من كلام الله أو كلام رسوله أو كلام النصحاء فان غلبتم على ذلك ودخل شىء من ذلك فحولوا بينه وبين فهمه وتدبره والتفكر فيه والعظة به و إما بادخال ضده عليه وإما بتهويل ذلك وتعظيمه وإن هذا أمر قد حيل بين النفوس وبينه فلا سبيل لها اليه وهو حمل ثقيل عليها لا تستقل به ونحو ذلك وإما بار خاصه على النفوس وأن الاشتغال ينبغي أن يكون بما هو أعلى عند الناس وأعز عليهم وأغرب عندهم وزبونه أكثر وأما الحق فهو مهجور والقائل به معرض نفسه للعدوان ولا ينبغي والربح بين الناس أولى بالايثار ونحو ذلك فيدخلون الباطل عليه في كل قالب يقبله ويخف عليه ويخرجون له الحق في كل قالب يكرهه ويثقل عليه
قال بعض السلف إن هذه القلوب جوالة فمنها ما يجول حول العرش ومنها ما يجول حول الحشر ومنها مسخ القلب فيمسخ كما تمسخ الصورة فيصير القلب على قلب الحيوان الذي شابهه في أخلاقه وأعماله وطبيعته فمن القلوب ما يمسخ على قلب خنزير لشدة شبه صاحبه به ومنها ما يمسخ على خلق كلب أو حمار أو حية أو عقرب وغير ذلك وهذا تأويل سفيان بن عيينة فى قوله تعالى وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم قال منهم من يكون على أخلاق السباع العادية
وقد شبه الله تعالى أهل الجهل والغى بالحمر تارة وبالكلب تارة وبالانعام تارة وتقوي هذه المشابهة باطنا حتي تظهر في الصورة الظاهرة ظهورا خفيا يراه المتفرسون ويظهر فى الأعمال ظهورا يراه كل أحد ولا يزال يقوي حتي تعلو الصورة فنقلب له الصورة بإذن الله وهو المسخ التام فيقلب الله سبحانه وتعالى الصورة الظاهرة على صورة ذلك الحيوان كما فعل باليهود وأشباههم ويفعل بقوم من هذه الأمة ويمسخم قردة وخنازير
فسبحان الله كم من قلب منكوس وصاحبه لا يشعر وقلب ممسوخ وقلب مخسوف به وكم من مفتون بثناء الناس
فصل دواء العشق
فان قيل مع هذ كله فهل من دواء لهذا الداء العضال ورقية لهذا السحر القتال وما الاحتيال لدفع هذا الخيال وهل من طريق قاصد الى التوفيق وهل يمكن السكران بخمرة الهوى أن يفيق وهل يملك العاشق قلبه والعشق قد وصل الى سويدائه وهل للطبيب بعد ذلك حيلة في برئه من سويداه لان لامه لائم التذ بملامه لذكره لمحبوبه وان عذله عذل أغراه عذله وسار به في طريق مطلوبه ينادي عليه شاهد حاله بلسان مقاله
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم
وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا ... ما من يهون عليك ممن يكرم
أشهبت أعدائي فصرت أحبهم ... إذ كان حظي منك حظي منهم
أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمني اللوم ولعل هذا
¥