احذر الشريك الخوَّان
ـ[أمل بنت حسن]ــــــــ[11 - 09 - 08, 12:48 م]ـ
احذر الشريك الخوّان
الحمد لله رب العالمين، أمر بالجهاد وجعله فريضة على جميع العباد، بحسب الاستطاعة والاستعداد، يقول تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78]، وهذا أمر لعموم المسلمين بالجهاد، كل عليه واجب منه حسب استطاعته، فقد أمرهم أن يجاهدوا فيه حق جهاده كما أمرهم أن يتقوه حق تقاته.
والجهاد أربع مراتب:
أولها: جهاد النفس. ثانيها: جهاد الشيطان. وثالثها: جهاد الكفار. ورابعها: جهاد المنافقين.
والأصل والأساس هو جهاد النفس، فإن العبد ما لم يجاهد نفسه أولًا فيبدأ بها ويلزمها بفعل ما أمرت به وترك ما نُهِيت عنه؛ لم يمكنه جهاد عدوه الخارجي مع ترك العدو الداخلي، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: (المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبة الحاجة: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا)، وقال للحصين بن عبيد: (أسلم حتى أعلمك كلمات ينفعك الله بها)، فأسلم، فقال: (قل: اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي). فمن لم يسلم من شر نفسه؛ لم يصل إلى الله - تعالى-؛ لأنها تحول بينه وبين الوصول إليه، والناس قسمان:
· قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار مطيعًا لها.
· وقسم ظفر بنفسه فقهرها حتى صارت مطيعة له، وقد ذكر الله القِسمين في قوله تعالى: {فَأَمَّا مَن طَغَى*وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا*فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى*وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى*فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37 - 40]، فالنفس تدعوا إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، والرب يأمر عبده بخوفه ونهي النفس عن الهوى، والعبد إما أن يجيب داعي النفس فيهلك، أو يجيب داعي الرب فينجو، والنفس تأمر بالشح وعدم الإنفاق في سبيل الله، والرب يدعو إلى الإنفاق في سبيله فيقول سبحانه: {وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: 16].
فالنفس تسمح بالملايين في سبيل البذخ والإسراف، ولا تسمح بالقرش للفقير والمحتاج، تكون تارة أمّارة بالسوء، وتارة لوّامة تلوم صاحبها بعد الوقوع في السوء، وتارة مطمئنة وهي التي تسكن إلى طاعة الله ومحبته وذكره، فكونها مطمئنة وصف مدح، وكونها أمّارة بالسوء وصف ذم لها، وكونها لوامة ينقسم إلى المدح والذم.
وجهاد النفس يكون بمحاسبتها ومخالفتها، وفي الحديث: (الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني)، ومعنى دان نفسه: حاسبها.
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-قال: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيَّنوا للعرض الأكبر: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18].
وقال ميمون بن مهران: "لا يكون العبد تقيًا حتى يكون لنفسه أشد محاسبةً من الشريك لشريكه"، ولهذا قيل: "النفس كالشريك الخوّان إن لم تحاسبه ذهب بمالك".
فحق العاقل الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن محاسبة نفسه في حركاتها، وسكناتها، وخطواتها، وخطراتها.
يقول الإمام ابن القيم-رحمه الله-: "جهاد النفس أربع مراتب:
أحدها: أن تجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها علمه؛ شقيت في الدارين.
الثانية: أن تجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.
الثالثة: أن تجاهدها إلى الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه، ولا ينجيه من عذاب الله.
الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله" ..
فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيًا حتى يعرف الحق، ويعمل به ويعلمه، فمن علم وعمل وعلم؛ فذلك يُدْعَى عظيمًا في ملكوت السموات.
إن النفس إذا أطمعت طمعت، وإذا فوضت إليها أساءت، وإذا حملتها على أمر الله صلحت، وإذا تركت الأمر إليها فسدت، فاحذر نفسك، واتهمها على دينك، وأنزلها منزلة من لا حاجة له فيها، ولا بد له منها، وإن الحكيم يذل نفسه بالمكاره حتى تعترف بالحق، وإن الأحمق يخيِّر نفسه في الأخلاق فما أحبت منها أحب، وما كرهت منها كره.
ولا شك أن النفس تكره مشقة الطاعة، وإن كانت تعقب لذة دائمة، وتحب لذة الراحة، وإن كانت تعقب حسرة وندامة، فهي تكره قيام الليل وصيام النهار، وتكره التبكير في الذهاب إلى المسجد، كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ} [البقرة: 216].
وما من طاعة إلا وللنفس منها موقف الممانع المعارض، فإن أنت أطعتها أهلكتك وخسرتها، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: 15]، إن أنت أطعتها؛ فقد ظلمتها، حيث عرضتها لسخط الله وعقابه، وأهنتها وأنت تظن أنك قد أكرمتها حيث أعطيتها ما تشتهي وأرحتها من عناء العمل ومشقته فحرمتها من الثواب.
للشيخ: صالح الفوزان-حفظه الله-
منقول من شبكة مسلمات
www.muslimat.net (http://www.muslimat.net)
¥