تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذه هي صفة أخبارهم، ثم إنها فوق ذلك قد زانتها لقطات مؤثرة من حياة أهل الجنة عندما كانوا يسيرون على الأرض، لقطات من ذلك البكاء والأنين والشوق والحنين والدعاء والابتهال والقيام والركوع والسجود والتلاوة والتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار والحوقلة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصهيل الخيول ووقع السيوف والحشرجات والعبرات والآهات والحسرات وأصوات الدموع الواقعة على مواضع السجود، وعبادة الله، بمجاهدة النفس والعدو، وبالكلام والصمت، وبالخوف والرجاء، وبالكرم والحياء، وبالمنع والعطاء، وبالشكر والصبر، وبالحب والبغض، وبالحياة والموت، وبالصحة والمرض، وبالقوة والضعف، وبالفقر والغنى، وببيع النفس والمال، وبالقيام والقعود، وبالركوع والسجود، وبالدعوة والنصيحة، وبالعزلة والخلطة، وباليقظة والمنام.

ثم هي بعد ذلك - في الجملة - كلام ممتع مقنع جليل جميل صافٍ وافٍ طيب عذب رائق فائق خارج من قلوب نقية تقية جارٍ على ألسنة فصيحة بليغة عربية.

فعليك – يا من يحرص على النافع من العلم ويرجو التوفيق إلى الصالح من العمل - بآثار أسلافنا، فاسمع قصصهم وأخبارهم واجمع حكمهم وآثارهم، واقبل عظاتهم ونصائحهم، أَقبلْ عليها، وعض عليها بناجذيك؛ فإنها فوائد تشد إليها الرحال ونفائس يتنافس فيها الرجال: ارتو من مائها فإنه عذب فرات، واقتبس من ضوءها فإنها كواكب دريات مضيات، وتحل بها فإنها عقود أنيقات ثمينات؛ واستمع لندائها قف عليها تتدبرها بتأن وتعرض نفسك عليها بتجرد وتقابل شأنك بها بتأمل وتعرف حقيقة حالك بواسطتها بتحقق؛ فهي ميزان منضبط يزن به المرء نفسه، وأعمال مستقيمة يعرض عليها المرء حقيقة أعماله، وأحوال صحيحة يعرف بها موضع حاله، وسراج منير يستهدي به المرء في حله وترحاله.

واعلم أن من رغب عن آثار السلف ووصاياهم وبيانهم للدين، فقد زهد في غير زهيد وأراد تناوش الخير ولكن من مكان بعيد، فأنى له حصوله؟ وأبطأ السير فكيف يتم وصوله؟ واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وآثر الظلمة على النور، وتحول من ظل وارف إلى حرور، بل ليعلمْ أنه إذا انتسب إليهم فنسبته زور، وإذا حسب أنه على سبيلهم فجاهل مغرور.

هذا ولا بد أن يعلم الواقف على مثل كلامي هذا ونحوه مما فيه تعظيم لآثار السلف ودعوة إلى العناية الشديدة بها، أن هذه الآثار ليست بديلة عن القرآن وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها وسيلة إليهما ومدخل سريع واسع مبارك عليهما، وإنها تفسير لهما، وتدبرٌ فيهما، واستنباط منهما، وفروع باسقة عليهما، وهي أقوال من هم أعلم منا بالقرآن والسنة وأفقه منا في الدين وأنصح للأمة.

ثم إن مظان هذه الآثار أصناف كثيرة من كتب التراث الاسلامي ككتب الإيمان والزهد والرقائق والورع والتزكية والتفسير والحديث وكتب الأدب الشرعي والتاريخ والسير والطبقات والمناقب والتراجم والدعوة.

والذي اختص منها بهذا النوع من الآثار، أعني كتب الزهد والورع والتزكية، إنما هي في الحقيقة أعلاق نفيسة وجواهر لا يعدلها ثمن، وكيف لا تكون كذلك وهي تدعوك - بأحسن أسلوب وضعه الناس وألطف طريقة ابتكروها وأقوم مسلك مشوا عليه - إلى الزهد في الدنيا والإقبال إلى الآخرة وطلب الجنة بكل جد وكل اجتهاد؛ تدعوك إلى التقوى والورع وتدلك على أسباب زيادة الإيمان بالله وأسباب الاجتهاد في طاعته واجتناب معصيته؛ ترغّبك في العلم النافع والعمل الصالح؛ وتحبب إليك الانتفاع بعلوم القرآن والحديث وآثار السلف الصالحين.

إنها كتب جمعها أصحابها - وهم علماء محدثون أو فقهاء أو مفسرون، بل أكثرهم أئمة أعلام - من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة وعلماء التابعين وحكمائهم الفاضلين وزهادهم المتقين، ومن أخبار تلك الأجيال في دينها وقصصها في تعبدها وزهدها، إنها كتب تقص عليك أحسن القصص بعد كتاب الله وكتب حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، إنها تطلعك على أفضل تأريخ للناس، أو قل: على تأريخ أفضل الناس، ففيها زهد الأنبياء وحكمهم وزهد الصحابة ووصاياهم وزهد التابعين ونصائحهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير