فَدَخَلَ مَعَهُمَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَكشَفَ السِّتْرَ، فَاعْتَنَقَهَا، وَبَكَى، وَبَكَتْ عَائِشَةُ بُكَاءً كَثِيْراً، وَنَاشَدَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ اللهَ وَالرَّحِمَ، وَنَشَدَهَا مِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بِاللهِ وَالرَّحِمِ، وَذَكَرَا لَهَا قَوْلَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ).
فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهَا، كَلَّمَتْهُ، بَعْدَ مَا خَشِيَ أَلاَّ تُكَلِّمَهُ، ثُمَّ بَعَثَتْ إِلَى اليَمَنِ بِمَالٍ، فَابْتِيْعَ لَهَا أَرْبَعُوْنَ رَقَبَةً، فَأَعْتَقَتْهَا.
قَالَ عَوْفٌ: ثُمَّ سَمِعْتُهَا بَعْدُ تَذْكُرُ نَذْرَهَا ذَلِكَ، فَتَبْكِي، حَتَّى تَبُلَّ خِمَارَهَا. (2/ 185)
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: كَذَا قَالَ.
وَالصَّوَابُ عِنْدِي: عَوْفُ بنُ الحَارِثِ بنِ الطُّفَيْلِ بنِ سَخْبَرَةَ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ: صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَتَابَعَهُ: مَعْمَرٌ.
قَالَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ: كَانَتْ عَائِشَةُ أَفْقَهَ النَّاسِ، وَأَحْسَنَ النَّاسِ رَأْياً فِي العَامَّةِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَوْ جُمِعَ عِلْمُ عَائِشَةَ إِلَى عِلْمِ جَمِيْعِ النِّسَاءِ، لَكَانَ عِلْمُ عَائِشَةَ أَفْضَلَ.
قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ:
قَالَ مَسْرُوْقٌ: لَوْلاَ بَعْضُ الأَمْرِ، لأَقَمْتُ المَنَاحَةَ عَلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ -يَعْنِي: عَائِشَةَ-.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لاَ يَحْزَنُ عَلَيْهَا إِلاَّ مَنْ كَانَتْ أُمَّهُ.
القَاسِمُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَيْمَنَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ جَدِّهِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
فَخَرْتُ بِمَالِ أَبِي فِي الجَاهِلِيَّةِ - وَكَانَ أَلْفَ أَلْفِ أُوْقِيَّةٍ -.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا عَائِشَةُ، كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ). (2/ 186)
هكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَلْفَ أَلْفِ أُوْقِيَّةٍ.
وَإِسْنَادُهَا فِيْهِ لِيْنٌ، وَأَعْتَقِدُ لَفْظَةَ: (أَلْفَ) الوَاحِدَةَ بَاطِلَةٌ، فَإِنَّهُ يَكُوْنُ: أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَفِي ذَلِكَ مَفْخَرٌ لِرَجُلٍ تَاجِرٍ، وَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ فِي ذَاتِ اللهِ.
وَلَمَّا هَاجَرَ كَانَ قَدْ بَقِي مَعَهُ سِتَّةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَأَخَذَهَا صُحْبَتَهُ، أَمَّا أَلْفُ أَلْفِ أُوْقِيَّةٍ، فَلاَ تَجْتَمِعُ إِلاَّ لِسُلْطَانٍ كَبِيْرٍ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ:
إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا حَجَّ قَدِمَ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَلَمْ يَشْهَدْ كَلاَمَهَا إِلاَّ ذَكْوَانُ مَوْلَى عَائِشَةَ.
فَقَالَتْ لِمُعَاوِيَةَ: أَمِنْتَ أَنْ أَخْبَأَ لَكَ رَجُلاً يَقْتُلُكَ بِأَخِي مُحَمَّدٍ؟
قَالَ: صَدَقْتِ، - وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، قَالَ لَهَا: مَا كُنْتِ لِتَفْعَلِي -.
ثُمَّ إِنَّهَا وَعَظَتْهُ، وَحَضَّتْهُ عَلَى الاتِّبَاعِ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ التَّنُوْخِيُّ: قَضَى مُعَاوِيَةُ عَنْ عَائِشَةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
هَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ.
وَالصَّحِيْحُ: رِوَايَةُ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ مَرَّةً إِلَى عَائِشَةَ بِمائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَوَاللهِ مَا أَمْسَتْ حَتَّى فَرَّقَتْهَا.
فَقَالَتْ لَهَا مَوْلاَتُهَا: لَوْ اشْتَرَيْتِ لَنَا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ لَحْماً؟
فَقَالَتْ: أَلاَ قُلْتِ لِي؟ (2/ 187)
يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ: عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ:
أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَى عَائِشَةَ بِقِلاَدَةٍ بِمائَةِ أَلْفٍ، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ.
الأَعْمَشُ: عَنْ تَمِيْمِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّهَا تَصَدَّقَتْ بِسَبْعِيْنَ أَلْفاً؛ وَإِنَّهَا لَتَرْقَعُ جَانِبَ دِرْعَهَا - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -.
¥