تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الله عليه وسلم " لا يقولن أحدكم خبثت نفسي " وليس كذلك لأن النهي إنما ورد عن إضافة المرء ذلك إلى نفسه كراهة لتلك الكلمة , وهذا الحديث وقع ذما لفعله , ولكل من الحديثين وجه , وقال الباجي: ليس بين الحديثين اختلاف , لأنه نهى عن إضافة ذلك إلى النفس - لكون الخبث بمعنى فساد الدين - ووصف بعض الأفعال بذلك تحذيرا منها وتنفيرا. قلت: تقرير الإشكال أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن إضافة ذلك إلى النفس فكل ما نهي المؤمن أن يضيفه إلى نفسه نهي أن يضيفه إلى أخيه المؤمن , وقد وصف صلى الله عليه وسلم هذا المرء بهذه الصفة فيلزم جواز وصفنا له بذلك لمحل التأسي , ويحصل الانفصال فيما يظهر بأن النهي محمول على ما إذا لم يكن هناك حامل على الوصف بذلك كالتنفير والتحذير.

(تنبيهات):

الأول ذكر الليل في قوله " عليك ليل " ظاهره اختصاص ذلك بنوم الليل , وهو كذلك , لكن لا يبعد أن يجيء مثله في نوم النهار كالنوم حالة الإبراد مثلا ولا سيما على تفسير البخاري من أن المراد بالحديث الصلاة المفروضة. ثانيها , ادعى ابن العربي أن البخاري أومأ هنا إلى وجوب صلاة الليل لقوله " يعقد الشيطان " وفيه نظر , فقد صرح البخاري في خامس ترجمة من أبواب التهجد بخلافه حيث قال " من غير إيجاب " وأيضا فما تقدم تقريره من أنه حمل الصلاة هنا على المكتوبة يدفع ما قاله ابن العربي أيضا , ولم أر النقل في القول بإيجابه إلا عن بعض التابعين. قال ابن عبد البر: شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة , والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه , ونقله غيره عن الحسن وابن سيرين , والذي وجدناه عن الحسن ما أخرجه محمد بن نصر وغيره عنه أنه قيل له: ما تقول في رجل استظهر القرآن كله لا يقوم به إنما يصلي المكتوبة؟ فقال: أمن الله هذا , إنما يتوسد القرآن. فقيل له: قال الله تعالى (فاقرءوا ما تيسر منه) قال: نعم , ولو قدر خمسين آية. وكان هذا هو مستند من نقل عن الحسن الوجوب. ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: إنما قيام الليل على أصحاب القرآن , وهذا يخصص ما نقل عن الحسن , وهو أقرب , وليس فيه تصريح بالوجوب أيضا. ثالثها: وقد يظن أن بين هذا الحديث والحديث الآتي في الوكالة من حديث أبي هريرة الذي فيه " أن قارئ آية الكرسي عند نومه لا يقربه الشيطان " معارضة , وليس كذلك , لأن العقد إنما حمل على الأمر المعنوي والقرب على الأمر الحسي وكذا العكس فلا إشكال , إذ لا يلزم من سحره إياه مثلا أن يماسه , كما لا يلزم من مماسته أن يقربه بسرقة أو أذى في جسده ونحو ذلك. وإن حملا على المعنويين أو العكس فيجاب بادعاء الخصوص في عموم أحدهما. والأقرب أن المخصوص حديث الباب كما تقدم تخصيصه عن ابن عبد البر بمن لم ينو القيام , فكذا يمكن أن يقال يختص بمن لم يقرأ آية الكرسي لطرد الشيطان والله أعلم. رابعها: ذكر شيخنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين في " شرح الترمذي " أن السر في استفتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين المبادرة إلى حل عقد الشيطان , وبناه على أن الحل لا يتم إلا بتمام الصلاة , وهو واضح , لأنه لو شرع في صلاة ثم أفسدها لم يساو من أتمها , وكذا الوضوء. وكأن الشروع في حل العقد يحصل بالشروع في العبادة وينتهي بانتهائها. وقد ورد الأمر بصلاة الركعتين الخفيفتين عند مسلم من حديث أبي هريرة فاندفع إيراد من أورد أن الركعتين الخفيفتين إنما وردتا من فعله صلى الله عليه وسلم كما تقدم من حديث عائشة , وهو منزه عن عقد الشيطان , حتى ولو لم يرد الأمر بذلك لأمكن أن يقال: يحمل فعله ذلك على تعليم أمته وإرشادهم إلى ما يحفظهم من الشيطان. وقد وقع عند ابن خزيمة من وجه آخر عن أبي هريرة في آخر الحديث " فحلوا عقد الشيطان ولو بركعتين " خامسها: إنما خص الوضوء بالذكر لأنه الغالب , وإلا فالجنب لا يحل عقدته إلا الاغتسال , وهل يقوم التيمم مقام الوضوء أو الغسل لمن ساغ له ذلك؟ محل بحث. والذي يظهر إجزاؤه , ولا شك أن في معاناة الوضوء عونا كبيرا على طرد النوم لا يظهر مثله في التيمم. سادسها: لا يتعين للذكر شيء مخصوص لا يجزئ غيره , بل كل ما صدق عليه ذكر الله أجزأ , ويدخل في تلاوة القرآن وقراءة الحديث النبوي والاشتغال بالعلم الشرعي , وأولى ما يذكر به ما سيأتي بعد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير