نداء إلى القلوب الطاهرة، نداء إلى تلك النفوس الطيبة، نداء إلى تلك المعادن الزاكية، التي تعرف حق هذا العلم، وتعرف فضل العلماء، وحق السلف والخلف، نداء إلى تلك القلوب الكريمة، لكي تثبت على هذا السبيل القويم.
العلم يطالب بحقوق كثيرة وعظيمة، فمن أراد أن يطلبه فليأخذه بحقه.
الفصل الأول
معالم في الأدب مع العلماء
نص العلماء ([7]) رحمهم الله على أنه ينبغي على طالب العلم أن يتحلى بأزين الحلل، وأن تكون فيه حلية طالب العلم في وقاره وفي خشوعه وسمته. قال الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس إمام دار الهجرة رحمه الله: (حق على طالب العلم أن تكون فيه سكينة ووقار، واتباع لأثر من مضى قبله) ([8]).
إن طالب العلم إذا تزين بالآداب، وكان على أكرم الأخلاق، وجمّلها بالعلم، فإن الله يجمله بعد أن يصير عالماً، ولذلك نجد بعض العلماء مُهاباً جليلاً محبوباً، ولو نظرت إليه أثناء الطلب، لوجدته يهاب العلم ويجلّه، فبمقدار ما توفق إلى الآداب مع العلماء في مجلسهم ترزق من الطلاب مثله، فاجتهد –رحمك الله- في أن ينظر لك العالِم نظرة إجلال.
جلس الإمام أحمد بن حنبل يطلب العلم عند عبد الرزاق بن همام الصنعاني -رحمة الله عليهما- إمامان حافظان جليلان من علماء السلف وأئمتهم، حفظا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ووعياها، وكانا على جلال وفضل وكمال –رحمة الله عليهما-.
كان عبد الرزاق يتقي المزاح والطرفة إذا كان الإمام أحمد في مجلسه، وهذا أبلغ ما يكون من الوقار والجلال الذي ألبسه الله أهل العلم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ذللتُ طالباً وعززتُ مطلوباً) ([9]).
وكان بعض السلف يكره أن يستند الطالب في مجلس العلم، كل ذلك إجلال ووقار للعلم وهيبة للعالم، وكانوا يشددون في مدّ الرِّجْل في مجلس العلم، ويشددون في الأمور التي تشعر بالاستخفاف بالعالِم أو بمجلس العلم.
مكانك عند الله وكرامتك عند الله على قدر ما ينشرح له صدرك من تلقي العلم، ولذلك ما أحب الله العلماء بشيء مثل إقبالهم على كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإياك ثم إياك أن تكون زهيداً في كل علم تتعلمه، والله، كم من مسائل سمعناها من العلماء، ما كنا نظن إنه يأتي يوم من الأيام فيكون فيها نفع، حصل فيها من النفع ما الله به عليم، لا تزهد من العلم في شيء، فلعلك أن تسمع حكمة تنشرها، يحيي بها الله القلوب، ولعلك تسمع سنة فتحييها، فيكتب الله لك أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
احرص على كل محاضرة وندوة ومجلس علم أن تحمل منه سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قولية أو فعلية أو اعتقادية، احرص على أن تتعلم ولو حديثاً واحداً، والله تعالى تكفل في كتابه لأهل العلم برفع الدرجات، تخرج من الدنيا ومكانتك عند الله على قدر ما حفظت من العلم، فطوبى لأقوام حفظوا كتاب الله وحفظوا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في صدورهم وقلوبهم، فخرجوا من الدنيا والله تبارك وتعالى راضٍ عنهم بذلك العلم والضبط، وبلغهم نفع ذلك العلم في قبورهم، فهم الآن في رياضها يتنعمون، وفي ما هم فيه من السرور والنعيم يغبطون ([10])، فالله الله أن يزهد إنسان في خير من الله، احرص على الخير، واحرص على الانتفاع، ولذلك ما انتفع إنسان بسنة إلا نفعه الله بها ونفع بها غيره.
وكان السلف الصالح إذا أرادوا طلب العلم وطّنوا أنفسهم بالآداب الكريمة التي تحببهم إلى صدور العلماء.
قالت أم الإمام مالك بن أنس رحمه الله لما ألبسته العمامة وأمرَتْه أن يذهب إلى مجلس ربيعة بن عبد الرحمن، قالت له: (أي بني: اجلس مع ربيعة، وخذ من أدبه ووقاره وخشوعه قبل أن تأخذ من علمه) ([11]).
فإذا وجدت طالب علم يحرص على الأدب في مجلس العلم، فاعلم أنه على سنة، ولربما فتح له العالم صدره وأقبل عليه؛ لأن الله جبل القلوب على محبة الأخلاق والآداب، وهي تدل على سمو النفوس وعلو همتها، وأنها تريد ما عند الله عز وجل، فلا يليق بطالب العلم أن يجلس في تلك المجالس لا يبالي بحرمتها، ولا يحسن التأدب مع أهلها.
¥