تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال بعض العلماء: أخشى على من أساء الأدب في مجلس العالم أن يحبط علمه وهو لا يشعر، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: لأن الله تعالى يقول: ((وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)) [الحجرات:2]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (العلماء ورثة الأنبياء) ([12])، فاستنبط رحمه الله من حكم الله عز وجل على من أساء الأدب في مجلس نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لا يَبْعُد أن يعامل بمثل ذلك؛ لأن العلم يعتبر في مقام النبوة، فمن أساء الأدب معه فقد انتهك حرمة تلك النبوة التي حواها صدره، كيف لا تتأدب مع العلماء وهم ورثة الأنبياء؟ كيف لا تتأدب معهم والله ائتمنهم على دينه وشرعه؟ كيف لا تخفض جناحك لهم وهم بمنزلة الوالدين، والله أمر بذلك في قوله تعالى: ((وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)) [الإسراء:24]، بل ذهب بعض العلماء رحمة الله عليهم إلى أن حق العالم آكد من حق الوالد؛ لأن النسب الديني أعلى من النسب الطيني ([13]).

قال بعض العلماء في قوله تعالى: ((ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)) [الحج:32]: المراد بالشعائر جمع شعيرة، وهي ما أشعر الله بتعظيمه، والله أشعر بتعظيم العلماء، فيدخلون في الآية، وليس المراد من تعظيم العلماء الغلو والخروج عن المنهج النبوي، وإنما المراد إعطاء تلك القلوب التي حفظت دين الله، وحفظت كتاب الله وسنة نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم حقها وقدرها في مصافحتهم، وفي الحديث معهم وفي مجالستهم وفي مناقشتهم ومناظرتهم، وفي الأخذ عنهم، فما يليق بطالب علم أن يجلس بين يد عالمٍ فيسيء الأدب معه سواءً بالخطاب، أو في لحن القول والجواب، أو في غير ذلك مما يكون في مشهده وغيبته. فكم من طلاب علم مقتهم الله لسوء أدبهم مع العلماء والعياذ بالله.

وكان للسلف الصالح –رحمهم الله- قصب السبق في الأدب مع العلماء ([14]) -رحمهم الله-، وكانوا يجلون العلماء وأهل العلم.

هذا ابن عباس رحمه الله النير النبراس، وارث الكتاب والسنة، لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أحَبّ أن يكون من طلاب العلم، فجاء إلى زيد بن ثابت وتعلق قلبه به، فكان يمسك بركاب زيد، وكان زيد يجل منه ذلك حتى قال له: ما هذا يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال ابن عباس: هكذا أمرنا بأن نصنع بعلمائنا ([15]).

انظر إلى ابن عباس الذي علم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لي بالعلم، فأنا عالم إن شاء الله، ولكن أهان نفسه لكي يكرمها عند الله، وأذلّ نفسه لكي يعزّها الله، فكان له ذلك من الله.

ولما توفي زيد، جاء ابن عباس –وكان وفياً لأهل العلم- فحمل جنازته حتى سقطت عمامته من رأسه، ولم يزل فيها حتى دفنه. ثم لما دفن زيداً، قام على قبره تختنقه العبرة، فبكى وقال: ألا من سَرّهُ أن ينظُرَ كيف يقبض الله العلم، فلينظر هكذا يقبض الله العلم بموت العلماء ([16]).

ولذلك عزّت عند الله مكانته، ورفع الله قدره، وشرح صدره، وبلغ من العلم مبلغاً عظيماً، حتى كان إماماً لا يجارى، إذا وقف في كتاب الله يفسره، تفجرت ينابيع الحكمة في تفسيره رضي الله عنه وأرضاه، حتى قام في يوم عرفة ففسر سورة النور. يقول الراوي: والله لو شهده الفرس والروم والديلم لأسلموا لله عز وجل ([17]).

كل ذلك لما ذل للعلم وحفظ للعلماء حقوقهم رضي الله عنه وأرضاه.

والله، لا يحفظ حق العلماء إلا الموفق، ولا يقلل من شأنهم إلا من قلبه مرض وزيغ، وأهل البدع والأهواء –والعياذ بالله- يُعرفون بنقيصة العلماء.

قال بعض أهل العلم -رحمهم الله-: إذا أردت أن تنظر إلى رجل في قلبه مرض، فانظر في من يطعن في العلماء أو يحتقر العلماء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير