قال العلماء في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قدم جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فجلس بين يديه وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه. قال: في هذا دليل على مراعاة الأدب في المجلس لطلب العلم، وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقف يعلمهم يقول أنس: (أطرقوا، وكأن على رءوسهم الطير) ([18])، أطرقوا أذلة لله، يرجون بذلك وجه الله وما عند الله، فما أجلها من نعمة أن يوفق الله طالب العلم للأدب.
والله ما رأيتَ طالبَ علمٍ يتأدب في مجالس العلماء ويتأدب مع أهل العلم إلا وجدتَ محبته في صدرك، وأن الله جمله بأدبه، فالأدب هو شريعتنا وما دل عليه ديننا، والله تعالى أدب الصحابة في مجلس نبيه صلى الله عليه وسلم، فنهاهم أن يرفعوا الصوت عليه، ونهاهم أن يقوموا من مجلسه قبل استئذانه صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: ((لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ)) [الحجرات:2]، وقال تعالى: ((لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ)) [النور:62]. ذلك لكي يرسم المنهج الأمثل لكل من أراد أن يتعلم العلم النافع، وأن يحفظ حق العلم وآداب العلماء.
لطالب العلم أدب مع العلماء الذين مضوا إلى الله تبارك وتعالى وانتقلوا إلى الدار الآخرة، وأدب مع العلماء الأحياء ..
أولاً: الأدب لأموات العلماء رحمهم الله:
المَعْلَمْ الأول: ذكرهم بالجميل:
من حق العلماء الأموات على الأحياء أن يذكروهم بالجميل.
قال الإمام الطحاوي رحمه الله وهو يبين عقيدة السلف الصالح رحمة الله عليهم حينما ذكر أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر، من علماء الأمة من الصحابة والتابعين إليهم بإحسان، قال رحمه الله عنهم: (وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين، أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يُذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل) ([19]).
أي: ضل سبيل الأمة الذي يعصم الله عز وجل به الإنسان من الزلل والهوى، فذِكر العلماء الأموات بالسوء، وتتبع عثراتهم بقصد التشفي والتشهير لا خير فيه، إنما يبحث الإنسان عن علم العالم، فإن كانت عنده أخطاءٌ بينها، وإن كان له مخرج من تأول دليل في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، أنصفه وبيّن دليله، وبيّن حجته.
ينبغي على طالب العلم أن يحفظ حق العلماء، سواء طلب على يديهم العلم أو لم يطلبه عليهم، فحقٌ على كل مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر، إذا جلس مجلساً فذكر فيه عالماً، أن يذكره بالجميل، وأن لا يذكره بغير ذلك، فذلك شأن من ضل السبيل.
ينبغي على الإنسان أن يحفظ غيبة العلماء، إن حفظ عرض المسلم الذي هو من عامة المسلمين فريضة ينبغي حفظها، فكيف بالعلماء، ولذلك قال بعض العلماء: إن الإنسان إذا اغتاب العالم يخشى عليه حتى ولو سامحه العالم، فإنه لا يؤمن عليه أن يعاقبه الله؛ لأن غيبة العالم فيها حقان: حقٌ لله، وحقٌ للعالم.
أما حق العالم: فبأذيته بالكلام الذي لا ينبغي، وأما حق الله: فلأن تنقّص العلماء تنقيصاً للعلم الذي حملوه، فلا يجوز لإنسان أن يرضى عن من ينتقص العلماء، حتى ولو قال: إن فلاناً لا يحسن الاستدلال، أو لا يحسن العلم، فعندها ينبغي أن تأخذك حمية الدين، فتقول لمن يقول هذا الكلام: اتق الله في أهل العلم، فإنك قد اغتبتَ عالماً، والله، إن غيبة العلماء عظيمة من جرائم الذنوب التي ينبغي للإنسان أن يحذر منها، وبمجرد ما تحس من الإنسان الذي أمامك أنه يريد أن ينتقص عالماً، ففرّ بدينك قبل أن يسلب شيئاً من حسناتك، فلربما تجلس مجلساً واحداً تسمع فيه غيبة عالم تهون عند الله في ذلك المجلس، فمن عادى ولياً لله آذنه بالحرب.
فينبغي على الإنسان أن يحذر من سطوة الله في أذية العلماء، وإذا لم يغر لله على العلماء، فعلى من يغار، والمقصود من هذا كله أن تحفظ غيبة العلماء؛ لأنهم صفوة الله وأحباؤه من الخلق، وإذا أخطأ عالم في مسألة فينبغي أن يُبين الصواب لهذه المسألة، ولا حاجة إلى ذكر أسمائهم أو التعريض بها، كأن تقول قول فلان وتذكره وتسميه في معرض الردّ؛ لأن المقصود هو التوجيه والإرشاد والتعليم، لا انتقاص عباد الله وأكل أعراضهم.
¥