والجواب: الملائكة أجسام بلا شك، كما قال الله عزّ وجل: (جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ) (فاطر: من الآية1] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أطت السماء والأطيط: صرير الرحل، أي إذا كان على البعير حمل ثقيل، تسمع له صريراً من ثقل الحمل، فيقول عليه الصلاة والسلام: وحق لها أن تئط، مَا مِنْ مَوْضِعِ أَرْبَعِ أَصَابِع إِلاَّ وَفِيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ للهِ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِد (1) ويدل لهذا حديث جبريل عليه السلام: أنه له ستمائة جناح قد سد الأفق، والأدلة على هذا كثيرة.
وأما من قال: إنهم أرواح لا أجسام لهم، فقوله منكر وضلال، وأشد منه نكارةً من قال: إن الملائكة كناية عن قوى الخير التي في نفس الإنسان، والشياطين كناية عن قوى الشر، فهذا من أبطل الأقوال.
.16 أنه لابد من الإيمان بجميع الرسل، فلو آمن أحد برسوله وأنكر من سواه فإنه لم يؤمن برسوله، بل هو كافر، واقرأ قول الله عزّ وجل: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:105)
مع أنهم إنما كذبوا نوحاً ولم يكن قبله رسول، لكن تكذيب واحد من الرسل تكذيب للجميع. وكذلك تكذيب واحد من الكتب في أنه نزل من عند الله تكذيب للجميع.
.17 إثبات اليوم الآخر الذي هو يوم القيامة الذي يبعث الناس فيه للحساب والجزاء، حيث يستقر أهل الجنة في منازلهم، وأهل النار في منازلهم.
وقد أنكر البعث كل المشركين، قال الله عزّ وجل: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (يّس:78) أي يتفتت، فأجاب الله عزّ وجل بأن أمر نبيه أن يقول: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يّس:79) فهذا دليل، ووجه كونه دليلاً: أن القادر على الإيجاد قادر على الإعادة، وقال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه) (الروم: من الآية27) فإذا كان ابتداء الخلق هيناً وأنتم أيها المشركون تقرون به فإعادته أهون، والكل هين على الله عزّ وجل وهذا الدليل الأول في الرد على منكري البعث.
الدليل الثاني: قوله تعالى: (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) يعلم كيف يخلق عزّ وجل ويقدر على خلقه، فكيف تقولون إن هذا ممتنع؟ ثم قال تعالى: (الذي جعل لكم) [يس:80] أي جعل لكم أيها المنكرون ولغيركم، (مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً) (يّس: من الآية80) معنى الآية: أن في بلاد الحجاز شجراً يقال له المرخ والعفار يضربونه بالزند ثم يشتعل ناراً، مع أ نه أخضر ورطب وبارد أبعد ما يكون عن النار، ومع ذلك تخلق منه ا لنار، فالقادر على أن يخلق من الشيء ضده قادر على أن يعيد الشيء نفسه، ثم قال سبحانه وتعالى: (فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) (يّس: من الآية80) وهذا إلزام لهم، وليس أمراً غريباً عليكم بل أنت تستعملونه.
الدليل الثالث: من الأدلة في الرد على منكري البعث قول الله تعالى: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) (يّس:81)
فالجواب: (بَلَى) [يس:81] وقد أجاب سبحانه وتعالى نفسه، لأن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس (وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) [يس:81] أي ذو الخلق التام مع القدرة التامة: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّس:82) من كان أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، فلا يعجزه شيء، فإن أمر موجوداً أن يعدم عدِم، أومعدوماً أن يوجد وُجِد مهما كان.
وفي قصة موسى عليه السلام لما وقف على البحر العميق أمره الله تعالى أن يضرب البحر فضربه مرة واحدة فانفلق وصار اثني عشر طريقاً يبساً في الحال، فمن يقدر على أن يمايز بين الماء؟ لا يقدر أحد إلا الله عزّ وجل لأنه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.
وبهذه المناسبة أودّ أن أنبّه علىكلمة دارجة عند العوام، حيث يقولون (يا من أمره بين الكاف والنون) وهذا غلط عظيم، والصواب: (يا من أمره بعد الكاف والنون) لأن ما بين الكاف والنون ليس أمراً، فالأمر لا يتم إلا إذا جاءت الكاف والنون لأن الكاف المضمومة ليست أمراً والنون كذلك، لكن باجتماعهما تكون أمراً.
¥