هَمٌّ .. فحزنٌ ... فعجزٌ .... فكسلٌ
ـ[الجُمَّان]ــــــــ[02 - 09 - 09, 01:34 ص]ـ
هَمٌّ فحزنٌ فعجزٌ فكسلٌ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
هؤلاء الكلمات الأربع كان كثيراً ما يستعيذ منهن النبي –صلى الله عليه وسلم- كما يخبرنا بذلك خادمه أنس بن مالك -رضي الله عنه- كمافي صحيح البخاري (كنت أسمعه يكثر أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل ... ) الحديث.
ولنا وقفات مع هؤلاء الكلمات الأربع:
فالهم هو شغل الفكر والعقل والقلب، وغالباً هو بداية الحزن، فيهتم الشخص أولاً، ثم يحزن تبعاً لهمه. وليس كل هم مذموم، بل إن الهم الذي يؤدي إلى الحزن هو المذموم، ولا يكون ذلك الهم إلا هم الدنيا، فكل هموم الدنيا تؤدى إلى الحزن؛ وذلك لأمور:
- أن هموم الدنيا متفرقة متشعبة فيتشتت المرء فيها فيشقى ويحزن.
- أن باهتمامه بالدنيا انشغل عما خلق له من عبادة ربه فكان الشقاء جزاءه.
- أن من جعل الدنيا همه لا يكاد يهنأ، بل هو في شقاء دائم؛ لأنه دائماً يرى فقره بين عينيه، وكأنه لم يحصل شيء، فلا يقنع بشيء ولا يرضى بحال.
ما أخبرت به، وما لم أخبر هو مصداق حديث النبي –صلى الله عليه وسلم-: (من أصبح والدنيا همه فرّق الله شمله، وجعل فقره بين عينيه، ولم يؤته من الدنيا إلاما كتب له).
أما الهم الذي لا يؤدي إلى الحزن هو أن يترك الإنسان همه، ويكون مهتماً بما خلق له، وبما يخبره أن السعادة تكون فيه، وهذا لا يكون إلا أن يجعل همه هم الآخرة، وهذا أيضاً مصداق حديث النبي –صلى الله عليه وسلم-: (ومن جعل الآخرة همه جمع الله شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة وجعل غناه في قلبه).
يتبع إن شاء الله ..
ـ[الجُمَّان]ــــــــ[03 - 09 - 09, 10:06 م]ـ
أما الحزن فليس مقصود في ذاته ولا يتعبد به، إذ كيف يتعبد به والنبي –صلى الله عليه وسلم- استعاذ منه، لكن قد يحدث الحزن اتفاقاً، فينهى عن التمادي الذي يؤدي إلى المغالاة، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقولإلا ما يرضي ربنا) فهذه أكمل الحالات حزن قلب؛ لأنه المناسب للرحمة التي خلقت فيه، ثم هذا القلب أيضاً ممتلئ بالرضا عن الله، فيتحقق التوازن والتناسب.
وأماالفرق بين الحزن والخوف، فالحزن يكون على فوات شيء مضى أو على مكروه وقع.، أما الخوف فهو لتوقع مكروه في المستقبل، وهما منفيان عن أهل الآخرة، بل تأتي بنفيهما البشرى من الملائكة عن السياق {ألا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاهُمْ يَحْزَنُونَ} (يونس:62)، وهو كذلك حال المؤمن الذي عمل الصالحات في الدنيا، إذكيف يحزن وهو عبد لرب يتوكل عليه، ويرضى به، ويرجوه ويستغفره، ويتوب إليه. فإن كان يحزن لذنب أصابه فباب التوبة مفتوح، وإن كان يحزن لمكروه وقع فباب الرضى ميسور، وإن كان يخاف من مستقبل مجهول فأين توكله على ربه؟ فضلاً أن قد وحد همه وهو هم الآخرة، فبالتالي قد وحدت أحزانه ومخاوفه، فإيمانه وعمله الصالح، وتوكله على ربه، ورضاه به، ورجاؤه إياه حائلاً بينه وبين الخوف والحزن، بل هو يعيش حياة طيبة في الدنيا، ثم ينقلب إلى حياة أطيب وأسعد في الآخرة (مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [المائدة: 69]، (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم ْبِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97].
- ومع كل ما ذكرنا فنحن لاننفي ورود هذه المخاوف والأحزان حتى على من حصَّل الإيمان والعمل الصالح، لكن مانؤكده ونقرره أن أفضل من يستطيع مواجهتها وإبدالها بضدها هم هؤلاء من حصَّلوا الإيمان والعمل الصالح، وإلا فإن السادة الأتقياء الأولياء قد أصابهم من ذلك، فهذاموسى قد خاف، وهذا يعقوب قد حزن، وهذا ذا النون قد أصابه الغم، وهذا أيوب قد أصابه الضر، انظر إليهم وقد أصابهم كل هذا، لكن أيضاً انظر إلى أحوال قلوبهم؛ لتعلم يقيناً ما أخبرك به، فهم قد ابتلوا بذلك لأنهم في هذه الدنيا وهى دار ذلك، دارالبلاء والهموم والأحزان، دار قضى فيها البلاء بالخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات.
ـ[طويلبة علم حنبلية]ــــــــ[03 - 09 - 09, 10:46 م]ـ
بارك الله فيكُم الجُمان وجزاكم خيرا ..
//
\\
ـ[الجُمَّان]ــــــــ[04 - 09 - 09, 08:39 م]ـ
بارك الله فيكُم الجُمان وجزاكم خيرا ..
//
\\
اللهم آمين وفيكم بارك ونفع.
ـ[الجُمَّان]ــــــــ[04 - 09 - 09, 08:44 م]ـ
- نقول ذلك لأن أغلب البشر عندما أرادوا إزالة هذه المخاوف والأحزان، سلكوا سبيلاً به تزيد عليهم أضعافاً مضاعفة، فوقعوا فيما فروا منه، وداروا في دائرة لا نهاية لها من زيادة الأحزان والهموم والمخاوف؛ لأنهم سلكوا سبيل البعد عن خالقهم وما خلقوا له.
لكن انظر إلى من وحَّد هدفه ومراده وغايته، فلا يريد إلا الله، ولا يريد إلا ما يريده مولاه، فهو لله وبالله ومع الله، وقد توكل عليه ولجأ إليه واستغنى به، وعزَّ به، وقوي به، حينها لا يحمل هماً ولاحزناً ولا خوفاً، إذ كيف يصيبه الحزن والغم وإلهه إله غني قادر قوي عزيز، مالك لكل شئ. وهو يسير على مراد مولاه؛ لعلمه بكمال حكمته في شرعه وقدره، وكمال علمه وعدله. فهو يحب ربه، ويحبه ربه، فيعلم أنه لا يقضي له إلا الخير، وأنه يبعده عن كل شيء، ويحميه منه، حتى وإن ظهر عكس ذلك، ثم هو كذلك لعلمه بنفسه خالفها، ولم يتبع هواها، وحارب عدوه وشيطانه.
فانظر إلى حال هذا العبد الذي كلما حقق من كمال العبودية، كلما انقضى عنه من الهم والحزن في الدنيا والآخرة {الَّذِينَ آمَنُواوَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام:82)
- ثم تأمل معي في معنى العجز والكسل، وسر اقترانهما؛ لتعلم أن هذا الدعاء فيه سر عجيب، فالعجز هو وجود إرادة للفعل مع عدم وجود قدرة لإنجازه أو قدرة ضعيفة.
¥