تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وليس -والله- من العيب أن يختلف العلماء وأن يتناظروا ويتناقشوا، هذا لاعيب فيه ولا حرج، ولكنّ المصيبة كل المصيبة دخول حثالات ممن لا يخافون الله ولا يتقونه في نقل الأحاديث ونقل الشائعات بين طلاب العلم حتى أفسدوا ذات بينهم، والله الموعد، ووالله لتمرنّ على الإنسان ساعة يعلم ما الذي أراد بهذه التصرفات التي يفعلها، وليعلمنّ نيته وقصده في سكرة الموت، أو في ظلمة القبر، أو عند زلة الصراط، يعرف عندها هل يريد وجه الله أو يريد حظوظ نفسه.

يا أخي .. في الإنسان كفاية بعيوبه عن عيوب الناس، في الإنسان شغل في نفسه عن الناس.

عليك نفسك فاشتغل بمعايبها ودع عيوب الناس للناس

إذا أصبح النصح والنقد فيه هوى وإشفاء غيظ، صار أقرب إلى الإثم منه إلى الأجر، فقد تجد شاباً حديث عهد بالتزام لو عرضت له شهوة لانتكسَ، وهو يتكلم في عالم، وقد كفاه غيره من أهل العلم بيان الخطأ الذي أخطأ فيه ذلك العالم، ما الذي أدخل أمثال هؤلاء أن يتكلموا في العلماء ويقولون: الشيخ فلان يؤخذ عليه كذا وكذا، وقد تكون المسألة من المسائل الفرعية التي يعذر فيها بنصّ أو حجة، هذا أمر خطير جداً، وبهذه الجرأة تضيع الأمة، ويفلت الزمام، وتذهب حقوق العلماء والدعاة والصالحين والأخيار، حين يتسلط من لا خوف ولا ورع له، والمقصود: أن من علم أنه من أهل النقد والاستدراك على العلماء، فليتقدم أو يتأخر، المهم أن يريد وجه الله، ويعلم ما يجيب به الله إذا سأله عن الكلام في فلان أو علاّن ..

كم من شاب يُمضي أيامه ولياليه في النقد والتجريح بغير الحق، ولو سألته عن صحة وضوء من توضأ ولم يتمضمض لَمَا علم لها جواباً، فينبغي للإنسان أن يشتغل فيما يعنيه عن ما لا يعنيه، وقد ورد في الخبر أنه: (لا تقوم الساعة حتى يلعن آخر هذه الأمة أولها ([112]))، ولن يكون اللعن حتى يكون الاحتقار والازدراء، وهذه هُوّة سحيقة أن يتربى الشباب على الحقد على الدعاة والعلماء الأحياء، ثم ينتقل الدور إلى سلف الأمة، ثم تحرق كتبهم، ويكون ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من ظهور الشر وغلبته، وعندها تقوم الساعة فللجنة طلابها، وللنار طلابها -والعياذ بالله-، ونسأل الله أن يجنبنا هذه المهالك والمزالق.

السؤال الخامس:

هل خدمة طالب العلم لشيخه من آداب الطلب أم فيها محظور ولا تنبغي؟. أرجو إزالة الإشكال في هذه المسألة ([113])؟

الجواب:

لا غضاضة ولا حرج في خدمة الأحرار من عامة الناس لمن كان من أهل العلم والفضل، كالعلماء ومن في حكمهم من كبار السن وصالحي الناس، والأصل فيها خدمة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (كنت أقرِّب للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه وأحمل له إداوته) ([114])؛ لأن تعظيم أهل العلم وإجلالهم في الحدود الشرعية إجلال للدين والشرع، وإجلال لما حوته صدورهم من العلم، الذي شهد الله بفضلهم فيه ((بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)) [العنكبوت:49]، وقال تعالى: ((لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)) [النساء:162].

ومن إكرامهم وتبجيلهم: خدمتهم، ويعتبر من القُرَب، لكن محل ذلك إذا أمنت الفتنة، أما إذا خاف طالب العلم أو الشيخ على نفسه الفتنة، وخشي أن يغترّ بإطرائهم، سيما إذا كان طالب العلم شاباً حدثاً، فإنه قد لا يأمن على نفسه الفتنة، ويكون ذلك مظنة الحسد بين الأقران.

وكان بعض العلماء يشدد في ذلك نصحاً للمسلمين، وصيانةً لحمى الدين من الغلو والتعلق بالمخلوقين، ولذلك أثر عن ابن مسعود أنه لما خرج من المسجد، خرج معه أصحابه، قال: ما بكم؟. وما شأنكم؟. قالوا: رأيناك تمشي وحدك فأحببنا أن نسير وراءك، قال: إليكم عني، فإنها فتنة للمتبوع، وذلة للتابع ([115]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير