تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يعني إذا كان العلماء والأكابر أهل الفضل جلسوا في الزوايا يتعبدون، إذاً: لا نثنى صغار السن والأحداث لقيادة الأمة، وعندها لا تسأل عن فساد الأحوال، ولذلك نصّ العلماء -رحمهم الله- أن تولي القضاء يجب على العالم طلبه إذا غلب على ظنه أنه يحكم بالعدل وينفع الناس، ولما استشكل بعضهم ذلك، أجيب بأنه: إذا امتنع من أجل أن يتورع، كان منجياً لنفسه قاصراً الخير عليها، وإذا خرج للقضاء كان قائماً بحق الغير عليه: من نشر العدل والعلم والحكمة، والحث على طاعة الله، وذلك نفعه للكافة والعامة، وهو أفضل من نفع نفسه خاصة، وهو معنى مستنبط من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر الكواكب) ([119])، فحال من يؤثر في غيره مختلف عن حال من ينفّر غيره، ومن كان ضرره أكثر من نفعه لو خرج للناس، فالأفضل له أن يتعبد ويصلح نفسه.

ولما كتب عبد الله العمري العابد إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل، كتب إليه الإمام مالك: إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيتُ بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر ([120]). اهـ

وهذا فتح من الله على البعض من الأخيار الصالحين البررة، ربما جلس معهم العامي، فلا يجد عندهم أسلوب الدعوة، بمجرد ما يخطئ يقيمون الدنيا ويقعدونها عليه، لماذا؟؛ لأن الله لم يفتح عليهم في الدعوة، فهذا فضل من الله، والله يعطي فضله من يشاء، ولبعض الناس جهاده في خلوته أكثر من جهاده في علانيته، ومنهم العكس، ومنهم من جمع الله له بين الحسنيين، وآتاه كلا الفضيلتين، ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذرّ رضي الله عنه: (إذا رأيت البناء بلغ سلعاً، فاخرج من المدينة) ([121])؛ لأنه رضي الله عنه كان شديداً في طاعة الله، ويأخذ بالعزائم، ويرى أنه لا يجوز لك - وتعتبر من الذين يكنزون الذهب والفضة في الآية - أن تنام وعندك دينار واحد زائد عن حاجتك، من زهده وقوة خوفه من الله عز وجل رضي الله عنه وأرضاه، وهذا من حكمته صلى الله عليه وسلم: أن فاضل بين أصحابه، فكان يعطي البعض أحاديث الزهد، كأبي ذرّ، لو تتبعت أحاديثه في مسند الإمام أحمد لوجدت أكثرها في الزهد، والبعض من الصحابة أحاديثه في الجهاد أكثر، والبعض أحاديثه في العبادة، والبعض أحاديثه في العلم، والخلاصة أن الناس يختلفون، وبناءً عليه يُحكم لكلٍ حسب حاله. والله تعالى أعلم.

السؤال السابع:

أنا خطيب مسجد، تكلم فيَّ بعض الناس، فبِمَ تنصحوني؟ وما هي وصيتكم لمن يتكلم في الدعاة والعلماء، وينفر منهم الناس؟. وهل تجدي المناقشة معهم ([122])؟

الجواب:

هذه -والله- المصيبة التي تحزن إذا انتقص أهل العلم والفضل، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والله إن باطن الأرض أولى من ظاهرها في العيش مع أقوام لا يعرفون لأهل العلم حقهم، ولا يقدرون لهم قدرهم.

يا هذا .. قد نظرت إلى الدعاة والهداة، فوجدت فيهم من الفضل والصلاة والاستقامة والدعوة إلى الله ما سوف يحاسبك الله عنه، لم يبقَ إلا أن ينتقص العلماء وينفر منهم، وتُحذر الناس من مجالسهم، إنها مصيبة ورزية، إنها ثلمة -والله- في الإسلام إذا انتقص العلماء والدعاة، وتُتبعت عوراتهم وأخطاؤهم، ونُفِّر من مجالسهم، هذا مفتون، شأن أهل البدع -والعياذ بالله-.

إنهم ينفرون من العلماء، ولذلك من أهم وأظهر سمات أهل الضلال أنهم يحتقرون أهل العلم؛ لأنهم يعلمون أنه لا يكشف عوارهم بعد الله إلا العلماء، فلذلك إخواني في الله ينبغي أن نتق الله في حقوق العلماء، في حقوق طلاب العلم والدعاة والهداة إلى الله عز وجل، ينبغي أن تُلجم هذه الألسن بلجام الورع، والله، ما من كلمة تتلفظ فيها -حتى لو نقلت عن عالم أو داعية كلمة فيها انتقاص له- تحمل وزرها بين يدي الله عز وجل، ونزّل نفسك منزلة هذا العالم، أترضى أن تظهر للناس فضيحتك وأخطاؤك.

سلمنا جدلاً أنه أخطأ، فما الذي جعلك أن تذكر السيئات ولا تذكر الحسنات؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير