تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أ- أن يكون ([136]) الخلاف بحجة وبرهان، والاستدلال بهذه الحجة مبني على أصل مقرر عند العلماء لا بمحض الهوى، فيستنبط (استنباطاً) ما سبقه إليه أحد، والعلم الحق موروث، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( .. وإن الأنبياء لم يورِّثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورَّثوا العلم .. ) ([137]).

فالذي يتكلم في الخلافيات والمسائل، ويناظر إخوانه وهو يعتمد أصول العلماء ويتكلم بكلامهم، فقد تكلم بإثارة من علم السلف.

وإذا جاءك إنسان بقول عليه دليل وليس لك علم به، فاسكت -رحمك الله- حتى لا تزلّ قدم بعد ثبوتها، فقد يمقت الله طالب العلم بردّه لسنة. وكان أبو بكر رضي الله عنه يقول: (أخاف إن تركت سنته أن أضل، إن الله يقول: ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) [النور:63]، ينبغي أن يزن طالب العلم نفسه بميزان الشرع، ولا يتكلم في دين الله إلا بحجة من الله وبينة، لا بالهوى والظن، ((وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)) [يونس:36].

عوّد نفسك من اليوم: أنك لا تدخل في نقاش أو خلاف دون تصور وحجة وبرهان، واترك طلاب العلم حولك يختلفون ويصيحون ويُقيمون الدنيا ويقعدونها، واستمع لخلافهم وانصت، وخذا ما صفا، ودع ما كدر، واجْنِ الثمار وألْقِ الحطب في النار.

وأما عاقبة من فُتن وكان جريئاً على الخلافات والمناظرات والمناقشات، دون علم، فإنه إذا تخرّج لا يرتاح حتى يجد من يناقشه ويناظره، ويصبح ديدنه ذلك، وأصحب ما عنده مسألة إجماعية لا خلاف فيها، ويصير علمه وبضاعته -والعياذ بالله- القيل والقال.

كان الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمة الله عليه- متصفاً بأنه لا يمكن أن يناقش أحداً أبداً، ويؤثر عنه أنه يجلس في المجلس، فما أن يقوم المشايخ بالمناظرة مع بعضهم حتى يقوم من المجلس، وبهذا أصبح عزيزاً بعلمه، عزيزاً بشخصه ([138])، بخلاف ما إذا أصبح الإنسان منفلت اللسان، يجادل كل من هب ودب، فتضيع هيبة علمه.

ومجالس الجدل والمماراة أمَرَ الله بعدم الجلوس فيها: ((وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ)) [النساء:140].

ب- تحديد المسألة وتحرير موضع النزاع، حتى لا تضيعوا الوقت في مناقشة مسائل، متفق عليها بينكم أو لا التقاء بينكم فيها.

ج- تحديد الأصل حتى يعرف من المطالب بالدليل ومن المدعي ومن المدعى عليه، فالذي يخرج عن الأصل هو المطالب بالدليل مثلاً الأصل فيها الجواز، الذي يقول بعدم الجواز هو المطالب بالدليل، لكن الذي يحصل من بعض طلاب العلم يجلسون مع بعض، الأول يقول: ائتني بالدليل على عدم الجواز، والثاني كذلك يقول: لا .. بل أنت تعطني دليل على الجواز .. وهكذا، مع أنه إذا كان أصل المسألة أمر تعبدي، فالذي يقول غير مشروع لا يطالب بالدليل؛ لأن الأصل معه، والآخر يقول بأنه مشروع هو الذي يطالب بدليل نسبة شيء إلى الشرع .. وهكذا.

د- أن ينظر في هذا الدليل بكل إنصاف وتجرد للحق، والله، ما أنصفت خصمك من نفسك إلا وفقك الله للحق، وهذا مجرب، وكان السلف الصالح -رحمة الله عليهم- يتناظرون ويتناقشون، ويحصّلون من الفوائد درراً ونكتاً، لا تزال قواعد تنير الطريق لمن وراءهم، ومن قرأ الفقه الإسلامي يدرك أنه ما ثَرَتْ مادته إلا بردود العلماء ومناقشاتهم، حتى أصبحنا اليوم لو نزلت نازلة أو مشكلة معاصرة، نستطيع أن نخرجها على أصول العلماء، فكان الخلاف ثراء للمادة العلمية، لماذا؟. لأن مناقشاتهم مبنية على أساس: سلامة الصدر، وحسن الظن، والتجرد للحق.

بخلاف ما يفعله بعض الطلاب -أصلحهم الله- من التشكيك في المدرّس، والتشويش عليه، وإظهار عواره أمام الطلاب، وليته اتقى الله، ولم يؤذِ هذا المسلم ويَحْرِم إخوانه من الفائدة، وليته سكت فلم يتحمل وزر ما نطق به.

الحلمُ زينٌ والسكوتُ سلامةٌ فإذا نطقْتَ فلا تكن مهذاراً

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير