فالأخت والصديقة الصدوقة:* لاتصادر جهدَ صديقتها، فتمنحها الحفاوةَ اللائقةَ بها، وتقدر الجهد الذي بذلته وتشعرها بأن ماقدمته طيبٌ موفق، فتثني على هذا العمل، وتذكر محاسنه وجمالياته، وكذا تسعد أختها بكلمات الحفز التي ثبث من خلالها في نفسها الراحة والسرور؛ لتشعر حينئذ أنَّ ماقدمته كان يستحق العناء والجهد حقاً. كأن تقول لها على سبيل المثال:
(ماشاء الله ياأختي!! ....... معقول كل هذا الشيء قمتِ به وحدكِ؟!!)
(تصدقي يافلانة: لم أكن أتوقع أني سأقابل أختا تمتلك كل هذه المهارات والمواهب!! ... فحقيقٌ عليَّ أن أفتخر بصحبتك!)
(ماهو شعوركِ أخية وقد أنهيت عملكِ هل تشعرين أنَّ فيه ارتقاءاً بدرجاتك في جنات الخلد؟!)
(أخبرينا بالفوائد التي استقيتِها من هذا العمل؟)
وملخص ماسبق:
((كافيئني تلقاءَ مابذلت؛ لأشعرَ بروحِ الأخوة حقاً))
ولعلي أنوه هنا: أنَّ الأخت كذلك (لاتبالغ في الثناء والمديح!)
فكلما رأت من اختها أمرا حسناً (أخذت تصبُّ عليها كلمات المدح صباً!)
فلا تدع كلمة شكرٍ أو نعتا جميلاً في قواميس اللغة إلا وأسمعتها إياه!!
ليس هذا ما قصدت، وإنما تقدر الأمورَ بقدرها، وكذا لاتكثر من مدحها أمام قريناتها!!
وأذكر بما يتعلق بموضوع المديح الكثير موقفا طريفا حصل معي وأنا في المرحلة الابتدائية:
حيث كانت معلمة اللغة العربية تحبني كثيراً، إلى درجة أنها في بعض الأحيان تجلسني مكانها، لأقرأ الدرس على الطالبات، وأثناء شرحها (كأن لاأحد في الصف سواي!:)! فكلما أجبتُ إجابةً أجدها تغدقني بكلمات المدح والثناء! وقد لايقتضي المقام هذا! فحصل مرةً أن استلمنا أوراق الاختبارات، فكانت درجتي كاملة وكذا (درجتين زيادة)! وبقية الطالبات (كانت درجاتهن ناقصات)! ففاض كيلهن، وبينا أنا أمعن النظر في ورقتي فرحةً بما حصَّلت، إذ بظلامٍ حالكٍ يلفني، لم استوعب مايحصل حولي، لكني أدركتُ بعد برهة أني في عداد المخنوقين!! إلى أن لطف الله بحالي وسخر لي أيدٍ كريمة خلصتني من الهجمة الشرسة التي شُنَّت علي!! فانتهى الأمر بسلاام .. لكني تذكرت مباشرةً كلمات الإطراء الكثيرة والمبالغة في الشكر، وعلمتُ أنها كانت سبباً في زرعِ العداوة في قلوب رفيقاتي!! ....
وكذا أختي وصديقتي الصدوقة:
* تحفظ سري؛ فلا تبثه لأحدٍ مهما حصل، وأنا أرى أنَّ صفة أمانة اللسان وحفظ السر قلما تجد لها أعواناً، فبعض الأخوات هداهن الله، لاتكاد تسمع شيئا، أو تُخبَر بأمرٍ إلا وأذاعتهُ على الملأ! وقد تضيف إليه بعض البهار والخل؟!! وكأنها نسيت أو تناست أن في هذا كشفٌ للمستور، وإضاعةٌ لما ائتمنت عليه!!
وصدق الإمام الغزالي حين قال في حقوق الأخوة من جهة اللسان: ((وليسكت عن أسراره التي بثها إليه، ولايكشف شيئا منها، ولو بعد القطيعة والوحشة، فإن هذا من لؤم الطبع، وخبث الباطن)) انتهى ..
وكذا أختي وصديقتي الصدوقة:
لا تسمع فيَّ كلام الناس، وتسكت عن القدح والغيبة فيما لا مصلحة منه ولامنفعة! وصدق مطيع بن إياس رحمه الله حين قال له رجل: جئتك خاطباً مودتك، قال: ((قد زوجتكها على شرط أن تجعل صداقها أن لاتسمع فيَّ كلام الناس ..
وكذا أختي وصديقتي الصدوقة:
*تدلني على الخير الذي لم أهتدِ إليه، وتسعى لإصلاح عيوبي، وعيوبها قبل هذا!
فتحسن اختيار الأسلوب وتتلطف في نصحها إيايَ، لأحمل نصيحتها المحمل الحسن، وأدرك حقاً أنها ماأردات من نصيحتها إلا الخير والمنفعة .. فألزم مجالستها، وأألف قربها، وتكون نعمَ الأخت والداعية الرفيقة ..
إذاً:
-من تخلقت بالأخلاق الحسنة (من صدق، أمانةٍ، وحفظ لسان)
- لطيفة في كلامها فكلماتها رقيقة، وثناءها عاطرٌ متَّزن.
- تهتم بالمستجدات التي تلحظها في أختها، فتبدي رأيها بما ترى ..
-من تحسن اختيار المكان والزمان عند تقديمها للنصيحة.
إن لزمت كلُّ أختٍ هذه الأشياء وحرصت عليها، أنا أجزم أنْ لنْ تدع للعتاب واللوم والمحاسبة مكانا في قلب أختها ولسانها ..
وبالتالي: ستغدو رابطة الأخوة متينة، لايزعزها حادث، ولا يكدر صفو الود والوئام بين الأخوات غيرَ صوتِ جرس الهاتف، حين ينبؤ عن انتهاء ساعة الزيارة:)
..............
وبعدَ هذا البيان: أرى أنَّ الإخوان ثلاثة أصناف، وقد أعجبني مانسب للخليفة المؤمون قوله: ((الإخوان ثلاثة طبقات، طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه، وطبقة كالدواء قد يحتاج إليه، وطبقة كالداء جنبك الله إياه)).
فما أحوجنا للأخت الصالحة الصادقة، التي هي بمثابة الغذاء للجسم ..
((أجدها في كل الأوقات، وتلازمني عن النوائب والملمات، وترشدني للطريق السوي، وتعينني على الطاعة والعبادة))
بالإضافة إلى أن فيها من المناقب الحسنة ما يغنيني عن غيرها، وأخلاقها فاضلةٌ نبيلة
باختصار تتصف: (الفهم، والحلم، والعلم)؛ فتذكرني إذا نسيت، وتعلمني إذا جهلت:
من لي بإنسانٍ إذا أغضبته ... وجهلت كان الحلم رد جوابه
وإذا طربت إلى المدام شربت من/// أخلاقه وسكرت من آدابه
وتراه يصغي للحديث بقلبه ... وبسمعه ولعله أدرى به .. !
فلله درها، ماأرقى وأسمى أخلاقها .. أخلاقٌ عاليةٌ تذيب الجبال الرواسي!!
فنعمت الأخت هذه! كم أودُّها .. وكم في الله أحبها .... !
فهي من جعلتني استشعر معنى الأخوة الصادقة، وألمس حقيقة الحب الذي معناه ومبناه
(المحبة في الله ولله)!
فمثل هذه: مكانها على الرأس، وبين أهداب العينين، قد تربعت في أعماق القلب لإعانتها لأختها، وتذكيرها لها ...... فهذ سأحبها أكثر من محبتي لأهلي وأقربائي!!
قال الحسن البصري -رحمه الله-:
((إخواننا أحب إلينا من أهلينا، لأن إخواننا يذكروننا بالآخرة، وأهلونا يذكروننا بالدنيا))
[ا لزهد لابن المبارك ص 106]
وقال محمد بن يوسف: ((وأين مثل الأخ الصالح؟!! أهلك يقسمون ميراثك! وهو قد تفرد بجدتك (قبرك) يدعو لك وأنت بين أطباق الأرض))!!
... [روضة الزاهدين ص 91]
¥