وتوجه إلى تبوك لقتال الروم وأرسل قبل ذلك جيش مؤتة لقتال الروم عام 8 من الهجرة وجهز جيش أسامة في آخر حياته - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا القول ذكره أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - واختاره وقال: إنه ليس هناك نسخ ولكنه اختلاف في الأحوال لأن أمر المسلمين في أول الأمر ليس بالقوي وليس عندهم قدرة كاملة فأذن لهم بالقتال فقط، ولما كان عندهم من القدرة بعد الهجرة ما يستطيعون به الدفاع أمروا بقتال من قاتلهم وبالكف عمن كف عنهم، فلما قوي الإسلام وقوي أهله وانتشر المسلمون ودخل الناس في دين الله أفواجا أمروا بقتال جميع الكفار ونبذ العهود وألا يكفوا إلا عن أهل الجزية من اليهود والنصارى والمجوس إذا بذلوها عن يدهم صاغرون. وهذا القول اختاره جمع من أهل العلم واختاره الحافظ ابن كثير - رحمه الله -
عند قوله جل وعلا في كتابه العظيم: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ". [مجموع فتاوى ابن باز (3/ 191)]
الرابعة: اختلفوا في الجماعة والفرقة؛ فذهب الصحابة ومن تبعهم: إلى وجوب الجماعة وتحريم الفرقة، ما دام التوحيد والإسلام؛ لأنه لا إسلام إلا بجماعة؛ وذهب الخوارج، والمعتزلة: إلى الفرقة، وإنكار الجماعة؛ فحكم الكتاب
بقوله: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا? [آل عمران 103].
الخامسة: اختلفوا في البدع، هل يستحسن منها ما كان من جنس العبادة؟ أم كل بدعة ضلالة؟ فحكم الكتاب بينهم،
بقوله تعالى: ?وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ? [الأنعام 135]
وقوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثه بدعة، وكل بدعة ضلالة»
فذكر صلى الله عليه وسلم أن ما حدث بعده فليس من الدين، وأنه ضلالة.
السادسة: أنهم اختلفوا في الكتاب، هل يجب تعلمه، واتباعه على الآخرين؟ لإمكانه، أم لا يجب؟ ولا يجوز العمل به لهم؟ فحكم الكتاب بينهم بالآيات التي لا تحصى؛
منها قوله: ?وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا*مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا? [طه 99]
وقوله: ?وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ?
وقوله: ?وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا? [طه 124].
السابعة: اختلفوا في العالم رفيع المقام في العلم والعبادة، إذا عمل تابع النص بخلافة، هل يجوز أم لا، فقيل: نعم، من قلد عالماً لقي الله سالماً؛ فحكم الكتاب بقوله: ?اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ? [الأعراف 3]
وقوله: ?اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ? [التوبة 31]
وقوله: ?يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ*الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ?
[البقرة 146 - 147]
وقوله: ?فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ? [البقرة: 89]
وقوله: ?وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ? [النمل 14] وقوله: ?وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ? [الأنعام: 116]
فإذا عرفت هذه الآيات المحكمات، كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم، من أن طاعة الأحبار والرهبان من دون الله، عبادة لهم؛ وعرفت حال كثير من الناس، وما يأمرون به، وما يدعون إليه، وتأملت كلام الله، تبين لك الهدى من الضلال.
من كتاب الدرر السنية (1/ 182)
ـ[طويلبة علم حنبلية]ــــــــ[30 - 01 - 10, 09:04 ص]ـ
ذهاب الإسلام على يدي أربعة أصناف
للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله تعالى
الصنف الأول: من له علم بلا عمل؛ فهو أضر شيء على العامة، فإنه حجة لهم في كل نقيصة ومبخسة.
والصنف الثاني: العابد الجاهل؛ فإن الناس يحسنون الظن به لعبادته وصلاحه فيقتدون به على جهله.
وهذان الصنفان هما اللذان ذكرهما بعض السلف في قوله: «احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون»؛ فان الناس إنما يقتدون بعلمائهم وعبادهم، فإذا كان العلماء فجرة، والعباد جهلة، عمت المصيبة بهما وعظمت الفتنة على الخاصة والعامة.
والصنف الثالث: الذين لا علم لهم ولا عمل؛ وإنما هم كالأنعام السائمة.
والصنف الرابع: نواب إبليس في الأرض؛ وهم الذي يثبطون الناس عن طلب العلم والتفقه في الدين؛ فهؤلاء أضر عليهم من شياطين الجن؛ فانهم يحولون بين القلوب وبين هدى الله وطريقه.
فهؤلاء الأربعة أصناف كلهم على شفا جرف هارِ، وعلى سبيل الهلكة، وما يلقى العالم الداعي إلى الله ورسوله ما يلقاه من الأذى والمحاربة إلا على أيديهم، والله يستعمل من يشاء في سخطه، كما يستعمل من يحب في مرضاته، إنه بعباده خبير بصير.
ولا ينكشف سر هذه الطوائف وطريقتهم إلا بالعلم، فعاد الخير بحذافيره إلى العلم وموجبه، والشر بحذافيره إلى الجهل وموجبه.
من كتاب مفتاح دار السعادة لابن قيم الجوزية
¥