تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[السلفية النجدية]ــــــــ[03 - 02 - 10, 09:44 ص]ـ

أهلا ومرحبا بأخيتي العليّة طويلبة علم الحنبلية ..

أشكر لك هذه الكلمات المشرقات والحروف المنيرات، لا عدمنا هذه الأخوّة النبيلة الشريفة ..

أختاه:

نعم صدقتِ، إن ربي رحمن رحيم، رؤوف ودود، كريم غفور، لكن كيف بالله عليك تريديني آمن الانتكاسة، والفتن تلاحقنا أينما اتجهنا؟

في بيوتنا، في دراستنا، في عملنا، في طرقنا، في مجتمعاتنا، في كل مكان في كل مكان!

يا غالية إني والله موقنة بربي أشد اليقين أنه لن يضيع إيماني وهو القائل سبحانه: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) ولمَ يضيعه ما دمتُ أقترب منه!

لكن!

مثل العبد المؤمن كالشجرة، تأتيها الريح العاتية فتميل يمينا وشمالا، ثم ترجع لمكانها وتثبت؛ لأن الأصل لا يزال ثابتا، وهذا هو المؤمن وإيمانه، يكون إيمانه قويا، فتعرض عليه الشهوات ويميل معها قلبه أحيانا - وكل بني آدم خطّاء - فينقص إيمانه، ثم ينتبه لنفسه ويرجع لعمل الصالحات ويتوب إلى ربه، فيرجع لمكانه ويثبت، ولو لم يثبت ويجاهد نفسه ويتماسك لذهب مع الريح؛ لكن تغمده الرحمن الرحيم برحمته التي وسعت كل شيء.

لكني والله أخشى أن يزين لي الشيطان عملي فأغتر به فيحبط، وهذه بداية السقوط، ثم أكون من الخاسرين، ولمَ لا أخاف وتدمع عيناي من شدة خوفي وأنا أرى كثير من الملتزمين والملتزمات، قد رجعوا إلى الوراء، بعدما تقدموا واستنارت وجوههم وانشرحت صدورهم!

يا الله، إنه وربي لأمر عظيم يكاد الرأس يشيب من هوله! أبعدما رأى النور انقلب إلى الظلام!

يا أختاه: أتريدينني أن آمن مكر الله ولا أخافه وقد خاف الأنبياء من قبلي؟

فها هو ابراهيم - عليه السلام – لم يقل أنا رسول الله وخليله ولن أشرك بالله أبدا، لا لا، بل دعا ربه وقال: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) ابراهيم.

وها هو محمد - صلى الله عليه وسلم – وهو َمن هو! كان يكثر من قول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك، قالوا يارسول الله: آمنا بك و بما جئت به، فما تخاف علينا؟ فقال: نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها) صححه الألباني / تخريج كتاب السنة / 225

أتريديني أن يطمئن قلبي ويأنس وأنا لا زلت في هذه الدنيا الدنيئة! وشياطين الجن والإنس تتربص بنا الدوائر! معاذ الله، بل إني وجلة وخائفة إلى أن يأمر ربي بقبض روحي وأنا مخلصة له الدين، وأكثر ما أخشاه هو الشرك، بل ليس الشرك فحسب! إنما هو الشرك الخفي ألا وهو الرياء، وذلك بسبب الثناء القاصم الذي لا يسلم منه طالب علم!

ألا تريدين أن يتقطع قلبي من الخوف، ونحن نرى المتدينين يسقط واحدا تلو الآخر، وإن لم يسقط من الخارج فقد سقط من الداخل بسبب الرياء وحب الثناء! فكم من طلبة علمٍ والله الذي لا إله إلا هو كانوا من خيرة الناس ثم أذلّهم الله، بعدما تنقصوا مَن هم دونهم من طلبة العلم المبتدئين أو العوام من الناس، والسبب الرئيسي هو ذاك الداء الفتّاك، ونسوا - أو قل إن شئت تناسَوا - قول الله سبحانه: (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) يوسف.

ليت شعري ماذا يفيده مدح الناس إن واجه ربه وهو مفلسا!

مسكين والله، يعمل ويعمل ويعمل ويتعب نفسه ويجهدها ثم لا يقبل منه ربه! وقد قالها أحد السلف الصالح: (قل لمن لم يُخلص: لا تتعب) وإني أقولها لك من الآن: لا تتعب.

هذه دعوة مني لإخوتي وأخواتي، ليس فقط للأخوات، إنما لهم أيضا، بأن يراجعوا أنفسهم مع أخواتكم، ولا يفرحوا بمدح المادح الذي لو رأى مَن هو أعلم منك لاحتقر علمك وصلاحك؛ لكن قدّر الله أن ينبهر بك كي يمحّص إيمانك فيراك تفرح بالمدح أم يكفهر وجهك وتتضايق كما هو حال شيوخك الذين علموك العلم وربوك عليه.

فكلما مُدح تذكر فورا:

1 - أنعام ربه الغزيرة عليه، ولم يستطع رد معروف نعمة واحدة فقط إلى يومه هذا، فكيف به أن يفرح!

2 - ذنوبه التي هي كالجبال عليه فيستحيي من ربه، ما أن يتوب إلا أذنب بذنب جديد.

3 - أنه مهما تعلم فإن بضاعته في العلم قليلة، وهو مُحق وإن كان ما عنده كثير؛ لأنه يتذكر مَن هو أعلم منه فيحتقر علمه على الفور، بل يتذكر أن الكريم المنان هو الذي امتنّ عليه بهذا العلم، وما أعطاه إياه إلا ليرفع الجهل عن نفسه وعن غيره، فلماذا يتجبر ويتكبر!

فبارك الله من كانت هذه ردة فعله.

واسأل كل من يكره الثناء هذا السؤال: (لماذا تكره الثناء؟) فسوف يقول لك الثلاث نقاط التي ذكرتها آنفا.

نعم، ها هي العقيدة الصائبة: أن يكون العبد بين الرجاء والخوف، يرجو رحمة ربه ويخشى عذابه، فإن طغى الرجاء على الخوف كان من الفرحين وإن الله لا يحب الفَرحين فرح بطر، وإن طغى الخوف على الرجاء كان من القانطين وإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.

وأخيرا: وددت لو توسعتُ في هذا الكلام؛ لكن الحمد لله على كل حال، وأرجو أن يكون ما أردتُ إيصاله قد وصل.

أيا حنبلية: أتقوَين على لومي الآن؟! فإني أكره الانتكاسة، ولا آمن على ديني حتى توضع رجلي في قبري، وأسأل الله أن يحيينا على الإخلاص ويتوفانا عليه، إنه هو البر الرحيم.

وصرتِ في علياءِ إيمانك ..

أسأل ربي ذلك، وأن يجعل لي منه نصيبًا، فيُعلي قدري في الدارين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير