فالالتجاء إلى الله تعالى والافتقار إليه، والشّعور الدّائم بالحاجة إلى حفظه ومعونته وصيانته، إذا تحقّق في النّفس فهو كفيلٌ- بإذن الله تعالى – بشعور المؤمن بالطمأنينة، وحفظ العبد من تبدّل الحال إلى ما هو أسوء!
نعم صدقتِ، إن ربي رحمن رحيم، رؤوف ودود، كريم غفور، لكن كيف بالله عليك تريديني آمن الانتكاسة، والفتن تلاحقنا أينما اتجهنا؟
يا أخيّتي المكرّمة / لا أخالفك في كون الفتن تحيطُ بنا من كلّ جانب، بل هي واللّه لا أغالي -قيد أنملة- إن قلت: " تدورُ معنا حيثُ درنا "؛ ولو أنّ لهذه الفتن والشبهات والشّهوات التي تحفُنا رائحةً؛ لمتنا من رائحتها لشدّة قبحها وسوئها!
لكن أيّتها الحبيبة اللبيبة: أليس من المفروض أن يكون القلب ذاهلاً عن هذه الفتن – التي هي كما العدو- معرضاً عنها، مشتغلاً ببعض مهمّاته، وبإصلاحِ نفسه؟!؛ فإذا أصابهُ سهمٌ من عدوّه استجمعت له قوّته وحاسّته وحميّته، وطلب بثأره، إن كان قلبُه حُرّا كريما!
وقد راق لي وصفُ طبيب القلوب ابن القيّم –رحمه الله- لهذا القلب حينَ شبّهه ’بالرّجل الشّجاع‘، إذا جُرِح؛ فإنّه لا يقوم له شيءٌ، بل تراه بعدها هائجاً، مقداماً. والقلب الجبان المهين ’كالرّجل الضّعيف‘، المهين، إذا جُرِح ولّى هارباً؛ والجراحات على أكتافه!
لكني والله أخشى أن يزين لي الشيطان عملي فأغتر به فيحبط، وهذه بداية السقوط، ثم أكون من الخاسرين
يا أخيّة لا أظنّه يخفاكِ منهج الشّيطان الذي حدّده اللّه تبارك وتعالى لنا بكلّ وضوحٍ، وبيّن سبيله!
فلم يترك الله –سبحانه- الإنسانَ مجرّداً من العدّة، فقد جعل له من الإيمانِ جُنّة، ومن الذّكر عدّة،
ومن الاستعاذة سلاحاً، وكشف له عن خطط الشّيطانِ وأساليبه.
فإذا أغفل الإنسام جُنّته وسلاحه، وقصّر عن معرفةِ مكائد عدوّه، فالدّولة لعدوّه عليه – ولا حول ولا قوّة إلّا بالله -!
فإذا أذن العبد لعدوّه، وفتح له باب بيته، وأدخله عليه، ومكّنه من السّلاح يقاتله به، فهو وحدهُ الملوم، ولا يلومنّ إلّا نفسه!!
وللّه درّ القائل:
ومُتْ كمداً فليس لك اعتذارُ!
فالشّيطان لا يقتنص إلّا العجاف، الّذين انقطعوا عن قافلة المخلصين-وفقني الله وإياك لأن نكون منهم-، فهو ينقضّ على أولئك انقضاض الذّئب على القاصية من القطيع؛ إذ أقسم هذا اللعين أنّه ليغوينّ جميع الآدميين لا يستثني إلاّ من ليس عليهم سلطان، لا تطوّعاً منه ومنّة، ولكن عجزاً وتقصيراً عن بلوغ غايته فيهم، وإدراكِ حاجته منهم!
إنّه الإخلاص، هذا هو طوقُ النّجاة، وحبلُ الحياة؛
{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ "}
فهذا صراط وناموس وسنّة وسبيل ارتضاه الله إذ جاء البلاغ بمن طهّر قلبه من ابتغاء رضى غير الله من فوق سبع سموات بأن ليس للشّيطان عليهم سلطان، أو تأثير، ولا يملك أن يزيّن لهم؛ لأنّه محجوبٌ عنهم، وهم منه في حمىً منيع، ومداخله إلى نفوسهم مغلقة، فهم يتوجّهونَ إلى الله بقلوبهم آناء اللّيل والنّهار، ويطهّرونها من وقتٍ لآخر!
فالّذين أخلصوا دينهم للّه، فلا يتركهم مولاهم الحقّ للضّياعِ، فإنّ رحمته أوسع، ولو تخلفوا فإنّهم يثوبون كما أخبر عنهم ربّهم في صريح القرآن:
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} الأعراف.
أيا حنبلية: أتقوَين على لومي الآن؟! فإني أكره الانتكاسة، ولا آمن على ديني حتى توضع رجلي في قبري، وأسأل الله أن يحيينا على الإخلاص ويتوفانا عليه، إنه هو البر الرحيم
يارب استجب، وأسأله تعالى أن يجعلني وإيّاك والمسلمين من أصحاب القلوب السّليمة والأنفس المحاسِبة اللّوامة.
هي ثلاثُ أسئلة أكثري من سؤلِها لنفسك وإن كانت إجابتها بـ " بلى" فاعلمي أنّك –بإذن الله على خير-:
1. ألستُ ممّن يدركُ الخطأ إن تبيّن لهم الصّواب، وممن يروّضُ نفسه، ويصلحُ قلبها فيطهّره من الرّان والنّكات الّتي علقت به بين الفينة والأخرى؟
2. ألستُ أسعى للسموِّ بأخلاقي، وتزكيةِ نفسي بيني وبينَ نفسي؟
3. ألستُ أسعى لأن أكونَ من أهل الإخلاصِ واليقين والاتكال على الله تعالى- الذي هو حسبي ونعم الوكيل-؟
¥