تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}.

[مآلها]

وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين وفتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم، فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل، والهدى بالضّلال.

[كيفية النجاة منها]

ولا ينجى من هذه الفتنة إلاّ تجريد اتّباع الرّسول، وتحكيمه في دق الدين وجلّه، ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه، فيتلقى عنه حقائق الإيمان وشرائع الإسلام، وما يثبته لله من الصفات والأفعال والأسماء، وما ينفيه عنه، كما يتلقى عنه وجوب الصلوات وأوقاتها وأعدادها، ومقادير نصب الزكاة ومستحقيها، ووجوب الوضوء والغسل من الجنابة، وصوم رمضان، فلا يجعله رسولاً في شيء دون شيء من أمور الدين، بل هو رسول في كل شيء تحتاج إليه الأمة في العلم والعمل لا يتلقى إلا عنه، ولا يؤخد إلا منه، فالهدى كله دائر على أقواله وأفعاله، وكل ما خرج عنها فهو ضلال، فإذا عقد قلبه على ذلك، وأعرض ما سواه ووزنه بما جاء به الرسول فإن وافقه قبله؛ لا لكون ذلك القائل قاله بل لموافقته للرسالة، وإن خالفه رده ولو قاله من قاله، فهذا الذي ينجيه من فتنة الشبهات، وإن فاته ذلك أصابه من فتنتها بحسب ما فاته منه.

[نشوئها]

وهذه الفتنة تنشأ:

تارة من فهم فاسد،

وتارة من نقل كاذب،

وتارة من حق ثابت خفي على الرجل فلم يظفر به،

وتارة من غرض فاسد وهوى متبع،

فهي من عمى في البصيرة وفساد في الإرادة.

[فتنة الشهوات]

وأما النوع الثاني من الفتنة: ففتنة الشهوات.

وقد جمع سبحانه بين ذكر الفتنتين في قوله:

{كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَدًا فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ}

أي: تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها. والخلاق هو النصيب المقدر،

ثم قال:

{وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ}

فهذا الخوض بالباطل وهو الشبهات.

فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان؛ من الاستمتاع بالخلاق، والخوض بالباطل، لأن فساد الداعين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به، أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح.

فالأول: هو البدع وما والاها.

والثاني: فسق الأعمال.

فالأول: فساد من جهة الشبهات، والثاني: من جهة الشهوات.

ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه. وكانوا يقولون: احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل؛ فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون.

[أصل كل فتنة]

وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل.

فالأول: أصل فتنة الشبهة، والثاني: أصل فتنة الشهوة.

[كيفية دفع الفتنتين]

ففتنة الشبهات تدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر، ولذلك جعل الله سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين فقال:

{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.

فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.

وجمع بينهما أيضاً في قوله:

{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}

فتواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات، وبالصبر الذي يكف عن الشهوات.

وجمع بينهما في قوله:

{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ}

فالأيدي: القوى والعزائم في ذات الله، والأبصار: البصائر في أمر الله وعبارات السلف تدور على ذلك ...

وقال جاء في حديث مرسل: إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات.

فبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة، والله المستعان!

إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان = للإمام ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله.

ـ[أم بريدة]ــــــــ[19 - 11 - 10, 10:55 م]ـ

نعم كما قال شيخنا بكر أبوزيد -رحمه الله-في كتاب الحلية:

(يكون سائراً بين الخوف والرجاء فإنهما للمسلم كالجناحين للطائر)

وكما يقول ابن القيم "القلب في سيره إلى الله عزَّ وجلَّ بمنزلة الطائر؛ فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر .. ولكن السلف استحبوا أن يقوى في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرجاء على جناج الخوف" [مدارج السالكين (15:7)]

نفعكما الله ونفع بكما، وباركـ فيما سطرتما ..

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير