"المفوضة قال أحمد فيهم: إنهم شر من الجهمية، والتفويض أن يقول القائل: الله أعلم بمعناها فقط، وهذا لا يجوز ; لأن معانيها معلومة عند العلماء. قال مالك رحمه الله: الاستواء معلوم والكيف مجهول، وهكذا جاء عن الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن وعن غيره من أهل العلم، فمعاني الصفات معلومة، يعلمها أهل السنة والجماعة ; كالرضا والغضب والمحبة والاستواء والضحك وغيرها، وأنها معاني غير المعاني الأخرى، فالضحك غير الرضا، والرضا غير الغضب، والغضب غير المحبة، والسمع غير البصر، كلها معلومة لله سبحانه، لكنها لا تشابه صفات المخلوقين" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب لابن باز" (ص 65).
وقال أيضا:
"أنكر الإمام أحمد رحمه الله وغيره من أئمة السلف على أهل التفويض , وبدّعوهم لأن مقتضى مذهبهم أن الله سبحانه خاطب عباده بما لا يفهمون معناه ولا يعقلون مراده منه , والله سبحانه وتعالى يتقدس عن ذلك , وأهل السنة والجماعة يعرفون مراده سبحانه بكلامه، ويصفونه بمقتضى أسمائه وصفاته وينزهونه عن كل ما لا يليق به عز وجل. وقد علموا من كلامه سبحانه ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه موصوف بالكمال المطلق في جميع ما أخبر به عن نفسه أو أخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (3/ 55).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"التفويض نوعان: تفويض المعنى، وتفويض الكيفية.
فأهل السنة والجماعة يفوضون الكيفية، ولا يفوضون المعنى، بل يقرُّون به، ويثبتونه، ويشرحونه، ويقسمونه، فمن ادعى أن أهل السنة هم الذين يقولون بالتفويض - ويعني به تفويض المعنى - فقد كذب عليهم" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (67/ 24).
ثانياً:
توهم البعض أن مذهب السلف هو التفويض، وفهموا ذلك من قول السلف في أحاديث الصفات: (أمروها كما جاءت بلا كيف).
وهو فهم غير صحيح، بل هذا القول الوارد عن السلف يدل على أنهم كانوا يثبتون الصفات بمعانيها لله تعالى، ثم ينفون علمهم بكيفية ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"فقول ربيعة ومالك: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب) موافق لقول الباقين: (أمروها كما جاءت بلا كيف) فإنما نفوا علم الكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصفة.
ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ولما قالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف، فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً، بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم.
وأيضاً: فإنه لا يحتاج إلى نفى علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفى علم الكيفية إذا أثبتت الصفات.
وأيضاً: فإن من ينفى الصفات لا يحتاج إلى أن يقول: بلا كيف، فمن قال: إن الله ليس على العرش، لا يحتاج أن يقول: بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفى الصفات في نفس الأمر لما قالوا: بلا كيف.
وأيضاً: فقولهم: "أمروها كما جاءت" يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظ دالة على معانٍ، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد، أو: أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة، وحينئذ فلا تكون قد أُمِرّت كما جاءت، ولا يقال حينئذ: بلا كيف، إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول" انتهى.
"مجموع الفتاوى" الفتوى الحموية (5/ 41).
وقد قرب ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال:
"اشتهر عن السلف كلمات عامة وأخرى خاصة في آيات الصفات وأحاديثها فمن الكلمات العامة قولهم: " أمروها كما جاءت بلا كيف".
روي هذا عن مكحول، والزهري، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي.
وفي هذه العبارة رد على المعطلة والممثلة، ففي قولهم: " أمروها كما جاءت" رد على المعطلة. وفي قولهم: " بلا كيف" رد على الممثلة.
وفيها أيضا دليل على أن السلف كانوا يثبتون لنصوص الصفات المعاني الصحيحة التي تليق بالله تدل على ذلك من وجهين:
الأول: قولهم: "أمروها كما جاءت". فإن معناها إبقاء دلالتها على ما جاءت به من المعاني، ولا ريب أنها جاءت لإثبات المعاني اللائقة بالله تعالى، ولو كانوا لا يعتقدون لها معنى لقالوا: "أمروا لفظها ولا تتعرضوا لمعناها". ونحو ذلك.
الثاني: قولهم: "بلا كيف" فإنه ظاهر في إثبات حقيقة المعنى، لأنهم لو كانوا لا يعتقدون ثبوته ما احتاجوا إلى نفي كيفيته، فإن غير الثابت لا وجود له في نفسه، فنفي كيفيته من لغو القول" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (4/ 32).
والله تعالى أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
http://www.islamqa.com/ar/ref/138920