ألا يوشك أحدهم يتزيا بكل سواد لو صادف موجة أزياء دون غضاضة ويتبع سنن مصممي الخلاعة لونا بلون وكما بكم وقميصا بقميص لا تتأباه نفسه ولو عافت العيون رسمه؟ لا ينكره ولا يستهجن منه شيئاً؟ ..
ألا يتزيا كل شعب بزيه الشعبي الذي يبرز انتمائه لتراثه واعتزازه بثقافة قومه فلا ترى من ينكر عليهم ذلك بل لعلهم يجلّون في العيون أصالته وعدم تشبهه بغيره وعدم إنسلاخه من جلده ليتميع كالحرباء بكل لون زائر دون أن تكون له هوية تميزه عمن حوله, هل هناك من يستنكر ذلك في أولئك جمعاً؟
فنحن شريعة ربنا وأمره الذي فرضه علينا وتلك الخيمة السوداء, هي أحب لنا وأسمى لدينا وأغلى وأعز علينا من اعتزاز أولئك بتراثهم المتوارث عن أجدادهم الذي جبلت عليه نفوسهم وتطبعت به عاداتهم ...
وليس في امتثال أمر الله تعالى والرضا بمراده والتسليم لحكمته العلية وقبول حكمه, ليس في هذا الهدي العليّ الذي يعلو بالروح في معارج السماوات والنور, ويرجع بالنفس مطمئنة متوازنة راشدة مستبصرة, ليس فيه ما يمحو ملامح المسلمة أو يطمس شخصيتها المتفردة التي تعرف بوعي تام طريقها الذي تسلكه على بصيرة, وتدرك معنى وجودها وتدرك القيمة الحقيقية لحياتها وغاياتها العليا, وتتجلى أمام عينيها الرسالة الكبرى والعهد الأول الذي عليها أن تؤديه في هذه الحياة, لا تشغلها الضوضاء ولا ينال منها التخبط ولا تشوش عليها الغوغاء كي تنصرف عما أراده لها الله عز وجل لما يريده منها كل من تعس وذل ...
فإذا كان الحجاب يطمس شخصية المرأة – بزعمهم – فأين هي شخصية المرأة – السلعة – التي نراها في كل لفتة طرف في طرقات مدننا المبتلاة, وعلى كل رف من أرفف المتاجر, بدءا من أغلفة منظفات الأرضيات إلى ملصقات الدعاية للعروض السينيمائية التي صار العري والابتذال عملتها الموحدة ولغتها المدبلجة ... هذه دعوة صريحة لتجريد المرأة من إنسانيتها, لإستعمالها بصيغة استهلاكية رخيصة, أية امرأة حرّة شريفة واعية عاقلة تأبى أن تعرض بتلك الصيغة المهينة المبتذلة, لكن, رحم الله العباد ورفع عنا البلاء وعافانا من سبق الشقاء, تبلدت الأحاسيس وصدأ فهم الفاهمين وانتزع شرف الحياء, فلا حياء ولا إباء ولا مروءة .. بل انقلب الميزان, أي ورب السماوات والأرض, انقلب في ضمائرهم المنخورة العفنة ميزان الرشاد, صارت الدنايا فتونا, والرزايا فنونا, وصارت التافهات الفارغات المنطفئات نجمات براقات ترنو لهن الصبايا والبنات بعين الإنبهار والتقدير والمحاكاة والتقليد ودخلت خيتبتهن المضاعفة إلى ليل الأحلام وسراديب التمني فكل غرة صغيرة تخلى عنها قيّمها الراعي ولم يتعهدها بالتقويم والتهذيب والتأديب, كل غرة مغبونة تتمنى أن تدخل دائرة الضوء المزعوم ولا أحد يشرح لها أنهن فراش النار تهافت على هاوية الفجار ..
قلت بأني ما أردت أن أخط في الأمر وسط عاصفة الرمل التي أرمدت العيون والأرواح , غير أني وجدت أن تلك الدعاوى الفاسدة المفسدة تستقطب معها غثاءا من سفهاء الناس كغثاء السيل فإذ بهم تنبت لهم أجنحة مقت وألسنة سوء يحومون بها على حمى الحرمات ويتصدر كل سفيه منهم ويستمرئ الكلام فيما لا يحق لمثله أن ينطق فيه فيرددون مبادئ أعداء الله في محاداة دين الله ويسخرون من ربات العفاف والحياء والطهر والصون والحجاب فيؤذونهن ويتطاولون عليهن كلما سنحت لهم فرصة لينهسوا من ركب النور نهسة, وقد حقت عليهم كلمة الله إن لم ينتهوا عما خاضوا فيه ويرجعوا ويتوبوا, فترى منهم كل سفيه لسن يتبجح بزخرف القول غرورا يستنكر حياء المؤمنات وتؤذيه عفتهن ويتطاول على تمسكهن بالحجاب وبأدب الحجاب , وكذلك أبداً , حين تسوّد القلوب وتعمى, وتنتكس النفوس وتشقى, يؤذيها الطهر وتستقبح جلاء النور , " إنهم أناس يتطهرون"!! فأي شيء من بناتنا ينقمون؟ هل صدّقتم أنهم ينقمون حبسهن عن التحرر المزعوم؟ كلا والله .. "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السماوات والأض والله على كل شيء شهيد" ..
(3)
انتكاس فطرة الأمم عبر التاريخ ..
¥