* فمن أدب الحجاب غض البصر عن التطلع لغير حاجة مشروعة بالمعروف كغض الصوت عن الخطاب بدِّل وخضوع وميل إلا أن يكون خطابا لحاجة بستر ووقار ومعروف.
* ومن جديد لا يكفي أن يكون الظاهر مستورا وتتفلت النفوس بضعفها لتحتال في إبداء ما خفي وترسل إشارات مشفرة لتدلل بما بدر عما يخفى: " ... وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ " .. وهنا يطرد القياس على كل ما يسعها ستره فتبديه لتشير به على ما خفي, كصوت حليها وأريج عطرها وما يظهر من متعلقاتها الخاصة, فسبحان الذي برأ النفوس وفطرها العليم بأمراضها الخفية العالم بها حين تختان لتحتال ربما دون وعي منها فلا يتركها هملا بل يصف لها دواء ضعفها ويهديها لسبيل رشدها حتى تستوي بيضاء مضيئة ككوكب دري باطنها كظاهرها لاخداع فيها ولا مراءاة وحتى تخلص وتتخلص من أدران النفوس وشواغلها فتلتفت لشرفها وخيرها , وعزتها وفلاحها, لكي تنصلح القلوب ظاهرا وباطنا فيحل فيها نور ربها وتسلم " وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ..
وإنما أردت أن نتحدث عن أدب الحجاب لنتعلم ونرى بوضوح صورة الأمة الربانية التي ينبغي لنا أن نكون عليها, ولنقرأ واقعنا من جديد على ضوء تلك الصورة, ونقيس المسافة الفاصلة بيننا وبينها لنعرف أين نحن ولأين نسير وكيف الرجعة ..
* ومن أدب الحجاب ألا تبرز النساء للرجال دون حاجة , وهذا من تمام الستر الذي أمر الله تعالى به: "وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ? ذَ?لِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ " الأحزاب 53, وإن كانت الكلام في الآية في حق أمهات المؤمنين عليهن السلام فأنما تدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى وبما تضمنته أصول الشريعة, فإن لم تدع الحاجة لبروز المرأة وأمكن أن تسد الطلب العارض بسؤاله من وراء حجاب فهو أولى .. لاحظوا أن الخطاب هنا للرجال .. عليهم أن يأخذوا هذا التأدب سيرة لهم في التعامل مع النساء حذوا بحذو, فلو رأت نساؤنا اليوم حشمة الرجال في التعامل معهن, لتهذبت نفوسهن وانكسرت تطلعاتهن للتبرج ولرجعن للحياء فهن به أولى وهو أولى بهن ..
ليست الأحكام في الشرع قيودا من دون حكمة, حاشا وكلا, بل يأتي بيان هذه الحكمة بخطاب قريب من القلوب المخبتة يقربها من الخير وينأى بها عن التشتت " ذَ?لِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ" ونقرأ عن القرطبي رحمه الله كلاما طيبا عند هذه الآية الجليلة: " ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ " يُرِيد مِنْ الْخَوَاطِر الَّتِي تَعْرِض لِلرِّجَالِ فِي أَمْر النِّسَاء , وَلِلنِّسَاءِ فِي أَمْر الرِّجَال , أَيْ ذَلِكَ أَنْفَى لِلرِّيبَةِ وَأَبْعَدُ لِلتُّهْمَةِ وَأَقْوَى فِي الْحِمَايَة. وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَثِق بِنَفْسِهِ فِي الْخَلْوَة مَعَ مَنْ لَا تَحِلّ لَهُ ; فَإِنَّ مُجَانَبَة ذَلِكَ أَحْسَنُ لِحَالِهِ وَأَحْصَنُ لِنَفْسِهِ وَأَتَمُّ لِعِصْمَتِهِ "وَقُلُوبِهِنَّ " هذَا تَكْرَار لِلْعِلَّةِ وَتَأْكِيد لِحُكْمِهَا , وَتَأْكِيد الْعِلَل أَقْوَى فِي الْأَحْكَام.
سبحان الله " إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا " 54
* ومن أدب الحجاب قرار المرأة في بيتها, " وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى? " الأحزاب 33, إن الآيات تعلم قلوبنا أنها بدخولها للإسلام قد تركت عهدا ما وراء ظهرها, لا يصح لها أن تتلفت إليه من بعد, فليست حالها اليوم به كحالها من قبل بدونه, وحقيقة التبرج هي إظهار ما ستره أحسن, وكانت النساء في الجاهلية يتمشين وسط الطريق بتغنج وتكسر يعرضن أنفسهن على الرجال, والآن لربما تصنع لها منصة ليكون العرض أوفى.
تبرجت بعد حياءٍ وخفر ... تبرُّجَ الأُنثى تصدّت للذكر
أذن لهن أن يخرجن في حاجتهن, فما يمنعهن أن يلزمن حدود الباري في ذلك ..
¥