قرأت نقاشا جادا في مكان ما بين بعض الليبرالين الصغار,"البريئين جدا", وجدتهم يقولون: (كل شيء في وقته ومكانه المناسب مناسب!! فالبكيني على الشاطئ جميل, والماكسي في السهرات جميل ... )!! ... لم يعد هناك مرجعية للمعروف الطيب, ولا استنكار لظاهر المنكر .. هناك عبارة مأثورة لدى هؤلاء, أعتذر منكم لوضعها هنا: (نحن نريد أن نربي الرجل الذي يسير وسط شارع من العرايا ولا تتحرك مشاعره إلا أمام المرأة التي يحبها .. )! عجب معجب ..
ثم يأتي مفكر تعلو سيماه الجدية والوقار والأهمية البادية فيقول: (بعض الداعين للإسلام يشعروني أننا نحن المسلمين لسنا إلا وحوشا وذئابا مفترسة تتحين الفرصة السانحة للإنقضاض على أي ضحية .. بينما تشعره المرأة العصرية الجاحدة لحقيقة الحجاب جملة وتفصيلا والداعية لتبرئة ساحة الصداقة الجادة بين الأولاد والبنات, هذه تشعره بأن الدنيا مليئة بالزهور والفراشات الملونة والعلاقات البريئة والبشر الناضجين الذين يحترم كل منهم الآخر ويتحدون معا في كل عمل بأخوة وصداقة نظيفة طاهرة ... ) .. أي وربي, وجدت من يقول ذلك, وليس فردا, بل يعبر عن فئة عريضة من أدعياء الفكر المتقدم .. تعس وانتكس, وإذا شيك فلا انتقش ..
هل يتوجب علينا الرد عليهم؟ ..
قراءة الواقع أولى من التنظير .. لم يعد للأولاد والبنات همّ يحكى إلا في قصص الغرام والتعلق والإعجاب والإستلطاف و"التعليق", عناوين عابرة في مجلات الشباب تحكي المأساة وخطوات قصيرة في ممشى الجامعة تريك قدر التخبط والتفلت والارتباك المستولي على أولادنا, حال محزنة مفجعة ..
عنوان قصير في مجلة سيارة: كيف تجعل البنات تحبك, نصائح لعلاقة عاطفية ناجحة, كلمات تحب البنات أن تسمعها .. صفحة المشاكل: خان حبي ولم يرحم دموعي, منحته كل السعادة فطعنني بكل بلادة, الوعود الوردية, من أين يأتي بقسوة قلبه ...
وعلى شاكلتها تليفون الفضفضة في قنوات الإذاعة الشبابية, التي هي بالمناسبة قنوات موسيقى وغناء محض, لها عند الشباب تاريخ محفوظ وواقع مدروس, تافهة وسمجة لحد التقيؤ .. أهدي لحبيبتي ألبوم "بهلول زيادة" الجديد! ..
كل المشاكل والدموع والتأوهات تحكي عن واقع مرير وعلاقات عجيبة وحكايات غريبة ومفاهيم مشوهة, هي في الحقيقة الثقافة السائدة بين فئة لا يمكن الاستهانة بها من شبابنا, أمل الأمة, عصبها, حلمها المنشود الضائع ..
ولا يقتلك شيء وأنت تتابع كما تقتلك ردود المستشار العاطفي الغير متخيلة بحال .. إنه غارق معهم فيما هم فيه يعمهون ..
إلى الله المشتكى ..
بعض الناس لا يمكنه التفريق بين الأحجار الكريمة وبين صخور الطين ..
بأي حال, ذكرني هذا المفكر المعجب بالفراشات الملونة بسطور عابرة قرأتها لصحفية أمريكية قضت عدة أسابيع في السعودية لتجري بحثا ميدانيا, ارتدت خلال تلك الفترة الحجاب توافقا مع طبيعة البلاد, ثم عبرت عن تلك التجربة بكلمات مختزلة في الصميم , تقول تانياسي هسو: "رأيت لأول مرة كيف يعاملني الرجال باحترام وتقدير دون أن يكون لجسدي كأمرأة أثر في ذلك الاحترام والتقدير"
لنوفر جواً من التوازن والحيادية والتجرد في كثير من مناحي الحياة, يتوجب علينا أن نلغي بعض المؤثرات, كي لا تنشغل بها النفوس وتشوش على الهدف المشترك الذي نسعى إلى بلوغه.
وحين نفكر بهذه الطريقة الواعية والمنضبطة ندرك في أفق جديد كيف أن الحجاب يحل كثيرا من المعضلات ويقطع التشويش الناتج عن بروز النساء للرجال وميلهم المحتمل إليهن, قطع سبيل الشبهات وحده هو الذي يوفر طاقة كلا الطرفين لمسيرة الحياة الناجحة والمثمرة والبناءة .. إن تلك الحصانة التي نريدها للمجتمع المسلم ليست اتهاما لأفراده بالتفاهة أو سوء الطوية, بل هي برهان أكبر على سلامة النفوس من أي ريبة وحماية لها من الفتن والظنون ..
إن المسلمة المتزنة تقدم لهذا المجتمع رسالة متحضرة مختصرة, مفادها: لا تنظر لزينتي وأساوري, ولا لمظاهر أنوثتي, بل تعامل معي كإنسان راق, بتجرد واحتشام, لنحقق معا الجدية المرتجاة من هذه المعاملة قدر الحاجة .. لننصرف معا عما يعوق أحدنا أو يشغله عن مهامه ورسالته الجادة ..
¥