إن البائس ليلقى في مغارات اللصوص وفي سراديب السحرة قلبا طيبا يحنوا عليه ويخفف عنه , ولكنا لم نلق هنا رحمة من أحد. لقد قرأت مرة في قصة كان دفعها إلي أبي أنه كان من أحلى أماني الرقيق أن يباع معه قريبه وألا يفصل الرق الأم عن بنتها والولد عن أخيه , وكنت أعجب من تلك العصور وهوان الإنسانية فيها فأي حقيقة مروعة مرعبة رأيت؟ بنات العرب صرن رقيقا لليهود , لا للعمل ولا للخدمة بل للخزي والفجور. وهأنذى مثل ذلك الرقيق , كل ما أتمناه أن يجمع الرق الأبيض بيني وبين أختي.
هذا ما تتمناه بنت الأسرة العربية الشريفة بعد نكبة فلسطين. أما حنان الأب , أما حب الأم , أما عزة العفاف وكرامة العروبة وتلك الأيام التي كانت ترتع فيها في روض الطفولة ... فلم يبق من ذلك كله إلا صورا باهتة في أعماق الذاكرة لا تجرؤ هي أن تحدق فيها. كلا , إنها لا تستطيع أن تسموا إلى بعث هذه الذكريات , إن الرأس الذي أحنته وصمة عار لا يقدر أن يرتفع بنظره إلى السماء. ولكن الوصمة يا أختي ... يا أختي على ما أنت عليه , الوصمة ليست على جبينك أنت , إنها على جبين كل عربي يرضى لك هذا الذي أنت عليه.
وكانت ليلة ليلاء ما عرفت فيها إلا لذع الآلام .. وانتهت الليلة. وجاء النادل في الصباح ليقدم الفطور , قوت الصباح , ويحمل الفتاة, قوت الليل. فاضطرمت في رأسي نار النخوة لما أبصرته, ولكنها كانت (يا للعار ... ) نار القش تضطرم فلا تجد الحطب الجزل فتنطفئ. وودعتني بنظرة ... بنظرة لا يمكن أن يعبر عن وصفها ومعناها لسان بشري.
وجاءت السيارات تحملنا لنعود من حيث أتينا، نعود ونترك بناتنا يفتك بأعراضهن اليهود، ومررنا بيافا، ونظرت إلى هذه المنازل التي كانت بالأمس لنا فصارت لغيرنا، خرجنا منها في ساعة واحدة انحطت علينا فيها النكبة كما تنحط الصاعقة، الأثاث الذي نضدناه قعد عليه غيرنا، والطعام الذي طبخناه أكله غيرنا، والفراش الذي مهدناه ... آه، هل أستطيع أن أنطق بالحقيقة المرعبة؟ ولكنها حقيقة، إن الفرش التي مهدناها، هتك اليهود عليها عفاف بناتنا ... ويبقى على وجه الأرض عربي لايقنع وجهه حياء، ولا يواري وجهه خجلاً، خجلاً من أمجاد الأجداد، خجلاً من سلائق العروبة، خجلاً من عزة الإسلام.
واختفت يافا وغابت وراء الأفق، وأنا لا أزال أرى تلك النظرة التي ودعتني بها، لن أنساها أبدا، ولن أنسى أني تركتهم يأخذونها وأنا حي، وأني كنت جباناً، وكنت نذلاً كالآخرين
موقع الشيخ علي الطنطاوي
ـ[براءة]ــــــــ[05 - 06 - 10, 05:50 م]ـ
انا لله وانا اليه راجعون
ـ[أم نور الدين]ــــــــ[05 - 06 - 10, 06:23 م]ـ
رب وامعتصماه انطلقت ** ملء أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنها ** لم تلامس نخوة المعتصم
حسبنا الله ونعم الوكيل، قصة تدمع لها العين
جزاك الله خيرا
ـ[الروميصاء السلفية]ــــــــ[06 - 06 - 10, 10:08 م]ـ
قصة بحق مؤثرة
حسبنا الله ونعم الوكيل .. حسبنا الله ونعم الوكيل
الله يمهل ولا يهمل
جزاك الله خيرا أختي ..
ـ[توبة]ــــــــ[13 - 07 - 10, 02:48 م]ـ
تمر على الإنسان المصائب الثقال فينساها.
يمرض حتى يتمنى الموت ثم يدركه الشفاء فينسى أيام المرض.
ويموت أليفه حتى يعاف العيش ثم ينسى موت الحبيب.
ولكن مصيبة الفتاة بعفافها لا تنسى حتى ترد ذكراها معها الموت.
لقد أراقت دم عفافها، لأن رجال قومها لم يريقوا دم أجسادهم ........ لقد خدروها بهذه الإبرة كما خدروا زعماء العرب بالوعود وبالخدع وبحطام من الدنيا قليل.
ما الذي بأيدينا فنفعله غير توجع القلب؟
اللهم ردنا إلى الإسلام ردا حسنا.
ـ[طويلبة علم]ــــــــ[14 - 07 - 10, 10:57 م]ـ
الله المستعان
نسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين