تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بسبيل ...

اطلب العلم بالدليل, وأقم العلم في حياتك ولا تتركه خلواً عن كل واقع متجافياً عن الحقائق, وكأنه مادة للنقل والتنظير والجدل والكلام ومؤانسة المقال , وليس في حياة الناس حيا يحيا ولا يقام فيهم ميزانه بحال ..

فتعلّم ...

تعلم فبالعلم تصقل زجاجة مصباحك لترق وتصفو وتشف وتضيء فترى ما تحتاج لأن تراه مما لن يراه لك غيرك, لن يصفه لك غيرك, ولن يزرع الإيمان به في أعماقك حتى تلمسه ذاتك بعين فؤادك.

تعلَّم .. فبالعلم تتعرف إلى ربك, هي جنّة النفس لو تدري, حين تتعرف إلى مولاك القريب, خالقك الجليل الجميل, الكريم الحليم صاحب المعروف القديم والإحسان العميم, سبحانه ..

تعلَّم ... ففي العلم سكينة قلبك وطمأنينة نفسك وانشراح صدرك, وقد ضاق بتكاليف الحياة وظلمتها وجهلها وفجورها وغيها وشرورها, فلا انشراح له إلا بعلم نافع يمنحه يقين الحقيقة ورسوخها وقوتها وانبلاجها في ظلمات الجهالة والفساد والاضطراب والتشتت الذي يسود هذا العالم المسكين الحسير المتخبط وكأنه يقتل نفسه بالمباهج المزيفة قبل المهلكات المنهكة ...

تعلَّم ... فبالعلم تفيق من توهان فكرك وصخب خواطرك وتهويمات خيالك, بالعلم تنقشع سحابة الحيرة عن عقلك وقلبك فيجلو فهمك وتعرف الأجوبة المسكتة على كل وسوسات نفسك ... تعلم لتعرف من أنت ولم أنت وفيم أنت ومن أوجدك وفيم ولم وإلى أين المسير ...

تعلَّم فبالعلم تهدأ نفسك من شجو الشجون وتبرأ من حزنها المزعوم وهمها المشحون في غير خير منشود حتى سلبها غمها الرضا والسكون ...

تعلم ... ففي النفس فراغ لا يملؤه إلا العلم النافع الذي يأخذ بيد الروح إلى مولاها, ويعالج اضطرابها ويبرد أوار نارها, ويدلها على معراجها في سماء النور ..

تعلَّم ... فبالعلم تتحقق إنسانيتك, بإضاءاته في سريرتك وسلوكك, ومسلكك في الحياة ومنهاجك, وفهمك لها ولغاياتها الأولى ومستقرها الأخير, وقيمتها ومعناها, ومعنى وقيمة كل ألم وفرح وكل جرح وترح فيها ... كل عزِّ وذلة وكل ضعة ورفعة وكل غنى ومسغبة وكل سلم وحرب وكل صراع ووفاق وكل نضرة في زهرتها وكل صفرة في هشيمها الحصيد ...

تعلَّم .. فبالعلم يتحقق إيمانك المتين بربك وتتحقق عبوديتك لله العلي الكبير سبحانه, فإذا ءامنت على بصيرة, فقد دخلت في حمى الملك العزيز, وإذا دخلت في حمى الملك فقد أمنت ...

تعلَّم لتعمل ... ليحسن خلقك فيحسن عملك وطابعك وطبعك, لتصلح قلبك وتقوم خطوك وتنجو بنفسك من سنيِّ التيه ...


* أما آن للنفس أن تؤوب وتبكي وتخشع وتهدأ وتجلس بين يدي محاسبة الذات ساعة وتتوقف عن الهرولة واللهاث في طريق لم تعد تذكر أو تتبين من الذي خطه لها وأين, ولا كيف ارتضته واتخذته خطة حياة وتقرير مصير, لا تحيد عنه ولا تستبصر فيه بدليل منير ...
أما آن لها أن تمتلأ خشية ورهبة, وتتوقف لتتدبر في سياق العمر لحظة وتراجع وتبصر بعين اليقين مصائر من مرَّ قبلها بين يديها بسبيل مقيم ...

أما آن لها أن تعتزل كل صخب الحياة وخداعها ساعة, وتتلمس في قاع حيرتها الأسئلة وتنصت لآي الكتاب لترى ما لم تره, ما لم يتح لها في وهم الانشغال والزحام الزائف أن تراه ...

* كأني بالنفس في سباق كبير شامل للسير, كالماراثون, وكأني بها تلهث وتهرول, وتهرول وتلهث في قطع المراحل, كل دقيقة تضيع تفوّت فرصة في اللحاق بخط النهاية المرصود في الظن ... وفي هذا اللهاث المحموم ربما تسقط أشياء صغيرة لا يلقي لها العابر المشغول باله ولا يدري أن في تفويتها وباله ...

في أحد سباقات الماراثون كان المتسابق الفائز هو الشخص الوحيد الذي وصل إلى خط النهاية, لم يصل أي من بقية المشاركين الألف لنقطة النهاية, ولم يكن الفائز الوحيد الذي أكمل السباق, أوفرهم قوةً ولا نضالاً ولا صموداً ولا دأباً في السعي, فكلهم كان يجِدُّ في المحاولة, لكنه كان الشخص الوحيد الذي سلك الطريق الصحيح بينما ظل الباقين يركضون في الاتجاه الخاطئ ...

إن الخطأ الذي تتهاون به في مراحل الطريق يشبه انحراف المكوك عن مسار انطلاقه بزاوية ضئيلة جدا أقل من جزء من المائة من الدرجة الواحدة .. لكن هذا الانحراف الطفيف الذي يوشك ألا يلحظ سينتهي به مع اتساع محور الانطلاق في الجو لأن يهبط منتكسا في أعماق المحيط ولما يقطع في رحلته الموسومة شيئاً قط ...

لا تركض في الاتجاه الخاطئ ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير