تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومهما كنت في انشغال محموم فلا تنخدع به, إنما هو وهم النفس لك أن لا وقت لديك للمذاكرة, لا تلهث على ذات المحور المفقود ...

في هرولة الأيام والليالي لا تذعن النفس غالباً لكل تلك النداءات الخافتة التي تأتيها من عمق بعيد داخلها لتهاب وتتدبر وتتساءل في لحظة تقى وصفاء: فيم كل هذا؟ ...

هو سباق الماراثون الكبير ... والكل مشترك فيه مسبقا وبتلقائية, لا أحد يريد أن تفوته الفرصة في اجتياز خط الكمال المحدد سلفا, قالب إسمنتي لحياة إسمنتية, حياة لا حياة فيها, لا حياة للقلب فيها, مصنع للمعلبات تدخل فيه الأجيال زرافات وأفرادا, يدخل الجميع اختيارا, ولا يرفضون ألم العجن والفرد والقطع والتجميد والتسخين واللف والتقريص والتعليب والتغليف والختم والترقيم, وتدور العجلة من جديد لتنتج نسخا لا عدَّ لها من نفس الحياة المعلبة المحفوظة,

هنا شهادات أساسية ثم ثانوية ثم عليا , وهنا وظيفة ودخل يجتهد صاحبه في ترقيعه ليواكب احتياجاته التي لا يحتاج إليها, وعمل آخر للإرتقاء بـ "المستوى ",

وزيجات مرسومة بالطبشور والمساحيق والمقبلات, زيجات عسيرة متعسرة لأنها تتكلف مالم يكلف به الله العباد, فتوشك أن تنمحق فيها البركة, ماديا ومعنويا, بالتكاليف المنقوطة في عرف المجتمعات الأسمنتية, والمواصفات المطلوبة لترضى العروس وأهلها والمتقدم وأهله عن الطرف الأخر طولا وعرضا وشكلا وراتبا ووظيفة ومظهرا وموقعا وتاريخا وتفصيلا وتقريعا وتلفيقا وترقيعا عن الطرف الآخر المسكين والظالم في آن معا, وتقديس غير مفهوم لطقوس العشيرة,

وأولاد وبنات, وشقق فارهات, وأثواب وحلي وأثاث ورياش يسد حاجة قبيلة لا أسرة, ومتاع آخر لا تحتاجه القبيلة, ومدارس خاصة للأولاد, الرقي يقتضي أن تكون أعجمية, لا يهم القرءان يحفظونه في الأجازة, لغات الأعاجم أهم, ليتم مسخ الصغار وبرمجتهم أكثر مما مسخ الكبار, ودروس خصوصية بعد المدرسة العمومية, وبلاي ستيشن ... "محطات اللهو"! ,

وشات وشتات, وتدريب في النوادي عشية اليوم, وتلفاز وانترنت بقية اليوم الضائع بين مطرقة المدينة وسندان الفضائيات المسمومة, وسيارة حديثة, ثم تبديل السيارة الحديثة بأخرى حديثة, ثم أخرى , وبيت آخر للعطلات الساحلية, واستراحات خلوية, وتنافس في اقتناء أحدث أجهزة الهواتف النقالة لكل فرد في العائلة, ثم تبديلها بأخرى أحدث, وأخرى أكثر جاذبية وبمميزات موسيقية وترفيهية أكثر رقاعة,

مع أنه لا حاجة لأي ترفيه في كل هذا ...

ترفيه الترفيه من فرط الترفيه .... ثم ..

ثم ماذا ... عافاكم الله ...

أيها السابح في بحر الكرى ... وهو من راحته في تعبِ

متى يتوقف كل هذا السيل الجانح الذي جرف معه كل معنى جميل وكل قيمة حقيقة للحياة ...

ومن الذي سيصل لخط النهاية في هذا المارثون العجيب ..

وليست الأمثلة أعلاه للحصر بل ضربا للتشبيه باشتغال القلب بالشواغل, وهناك من عوفي منها كلها أو من كثير منها لكنه يستبدلها بغيرها فهي شغل قلبه,

وكثير من أهل الصلاح نسأل الله لهم الهدى والفلاح ينسى مع تعاقب السنين تفتيش قلبه وطريقه وشغله وهل هو على صراط العزيز الحميد أم وقف به عزمه لعلّة خفية في القلب عن تجريد القصد لله,

وكثير منا يطرق باب الالتزام وإلزام النفس بالدين القويم ظاهراً وباطناً فتيَّ العزم في نشاط وإخلاص وهمّة, ثم تتفلت منه النفس دون أن يلحظ وتتراخى قبضته الممسكة بالعروة شيئا فشيئا فلو فتش عنها بعد حين لوجدها تتلبس بسمت أهل الصلاح الظاهر وهي خلو الباطن من كل تدبر أو إنابة أو خشوع, فبدل أن يكون التزامه خطوة البداية لتصحيح عقيدة التوحيد وطلب العلم الذي به قوام حاله وصلاح أمره تجده يتدحرج منحدرا مكتفيا بالقليل المبهم الذي بدأ به الطريق وليس يبلغ به أو يتلقف نوادر العلم, ولطائفا ودروسا متفرقة تترى من هنا وهنا دون تأصيل وتركيز, ودون شفاء الحاجة مما لابد منه للعبد ليصلح به دينه, فيذبل نبت القلب إذ يغيب عنه التقوى, ويتوارى الخشوع, ويستخفي خراب الباطن في بهاء الظاهر.

وترى كثيرا منا يلبس كل أفعاله ثوب الشرع, فلا تراه إلا راضيا عن حاله مسلما بالصواب لذاته, ولو فتش في خبيئة نفسه وقدح زناد قصده لوجدها تتبع هواها, معه تسير وعنه تقف وبه تعلل وله تؤوّل وتفترض وتبرر ....

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير