السبب الخامس: مانع الشهوة والمال وهو الذي منع كثيراً من آهل الكتاب من الإيمان خوفا من بطلان مأكلهم وأموالهم التي تصير إليهم من قومهم وقد كان كفار قريش يصدون الرجل عن الإيمان بحسب شهوته، فيدخلون عليه منها، فكانوا يقولون لمن يحب الزنا: إن محمدا يُحَرِّم الزنا ويحرم الخمر.
وهذا الذي مَنَع أبا جهل من الإسلام، فإنه لما أتاه الأخنس فدخل عليه في بيته قال: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: ماذا سمعت، قال: تنازعنا ونحن بنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكُنّا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا، ولا نصدقه، فقام عنه الأخنس، وتركه.
السبب السادس: محبة الآهل والأقارب والعشيرة؛ يرى أنه إذا اتبع الحق وخالفهم أبعدوه وطردوه عنهم وأخرجوه من بين أظهرهم، وهذا سبب بقاء خلقٍ كثير على الكفر بين قومهم وأهاليهم وعشائرهم.
ومن ذلك أن بعض أهل الباطل ممن انتحلوا مذاهب هدّامة لما تبيّن لهم الحق ما منعهم أن يتّبعوه ويهتدوا إلا أنهم يخشون أن تذهب مكانتُهم أو تتلاشى.
السبب السابع: محبة الدار والوطن، وإن لم يكن له بها عشيرة ولا أقارب لكن يرى أن في متابعة الرسول خروجه عن داره ووطنه إلى دار الغربة والنوى، فيضنّ بوطنه.
وقد ورد في الحديث الذي رواه الإمامُ أحمد من قوله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال له: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك، فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول، فعصاه فهاجر قال: ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له: هو جهاد النفس والمال، فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال، فعصاه فجاهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك منهم فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة.
السبب الثامن: مَنْ تخيّل أن في الإسلام ومتابعة الرسول إزراء وطعنا منه على آبائه وأجداده وذمّاً لهم، وهذا هو الذي منع أبا طالب وأمثاله عن الإسلام استعظموا آباءهم وأجدادهم أن يشهدوا عليهم بالكفر والضلال.
ولذا لما حضرت أبا طالبٍ الوفاة وجاءه أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقالا له: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب - آخر ما كلمهم -: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله. كما في الصحيحين.
فهذا مانعٌ من موانع الهداية، بالإضافة إلى صُحبة السوء، فإنها تمنع من الهداية والاستقامة والالتزام والتمسّك بشرع الله.
فيُسمعون صاحبهم الذي ربما أراد الاستقامة على دين الله عبارات النبز والاستهزاء والسخرية حرصاً منهم على بقاءه ضالاً كحالهم.
السبب التاسع:
متابعة من يعاديه من الناس للرسول وسبقه إلى الدخول في دينه وتخصصه وقربه منه، وهذا القدر منع كثيرا من اتِّباع الهدى؛ يكون للرجل عدو ويبغض مكانه ولا يحب أرضا يمشي عليها ويقصد مخالفته ومناقضته، فيراه قد اتبع الحق فيحمله قصد مناقضته ومعاداته على معاداة الحق وأهله وان كان لا عداوة بينه وبينهم وهذا كما جرى لليهود مع الأنصار.
ومن ذلك قول بعض أهل الباطل: الخير فيما خالف العامة.
السبب العاشر:
مانع الإلف والعادة والمنشأ؛ فإن العادة قد تقوى حتى تغلب حكم الطبيعة ولهذا قيل هي طبيعة ثانية فيربى الرجل على المقالة وينشأ عليها صغيرا فيتربى قلبه ونفسه عليها كما يتربى لحمه وعظمه على الغذاء المعتاد ولا يعقل نفسه إلا عليها ثم يأتيه العلم وهلة واحدة يريد إزالتها وإخراجها من قلبه وأن يسكن موضعها فيعسر عليه الانتقال ويصعب عليه الزوال وهذا السبب وإن كان اضعف الأسباب معنى فهو أغلبها على الأمم وأرباب المقالات والنحل ليس مع أكثرهم بل جميعهم إلا ما عسى أن يشذ إلا عادة ومربي تربى عليه طفلا لا يعرف غيرها ولا يحسن به فدين العوايد هو الغالب على أكثر الناس فالانتقال عنه كالانتقال عن الطبيعة إلى طبيعة ثانية. اهـ.
¥