تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كل شيء؛ لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء صغيرا كان أو كبيرا ? إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ?.

وإن الله أحاط بكل شيء علمًا وأن العباد لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء سبحانه وتعالى، فكل ذرة في الكون وكل قطرة وكل ورقة وكل شيء يعلمه الله تبارك وتعالى لا يخفى عليه من خافية ? وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ? (الأنعام 59)، علمها الله سبحانه وتعالى وسجلها في لوحه المحفوظ، وسجل الأعمال في الصحف التي تكتبها الملائكة على العباد من خير أو شر.

والله ما سجل في الكتاب هذا لأنه ينسى -تعالى الله عن ذلك-، وإنما هو يعلمها قبل أن تكتب وبعد أن تكتب، وفي كل لحظة من اللحظات لا يغيب عنه شيء سبحانه وتعالى في السماء ولا في الأرض؛ هذه الجبال، هذه الرمال، هذه القطرات، هذه البحار بأمواجها وقطراتها وما فيها من حيوانات وما فيها من مخلوقات، فالله يعلمها بكلياتها وجزئياتها صغيرها وكبيرها، أحاط بكل شيء علما سبحانه وتعالى.

هذه العقيدة يلقنها لقمان لابنه ? يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ ? صخرة صماء يعني قوية متينة لا ينفذ أحد إلى ما فيها الله يعلمها ويخرج هذا المثقال حبة من هذه الصخرة؛ يخرجها ويحاسب عليها فاعلها إن كانت سيئة أو خطيئة وإن كانت حسنة لا تضيع عند الله تبارك وتعالى ? إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ? (النساء 40).

? يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ ? أَدَقّ الأشياء لا وزن لها والله سبحانه وتعالى يعلم وزنها ومقدارها وأين كانت في السماوات أو في أعماق البحار أو في صخرة من الصخرات، بعضهم يقول الصخرة التي تحت الأرضين، لكن الظاهر أعم؛ في أي صخرة من الصخرات، يعني هذه مبالغة في بيان نفوذ علم الله وقدرته سبحانه وتعالى وأنه لا يعجزه شيء ولا يخفى عليه مثقال ذرة سبحانه وتعالى.

هذه عقيدة عظيمة يجب أن يستحضرها المسلم في كل لحظة من لحظات حياته؛ يستحضر أن الله مطلع عليه ورقيبٌ عليه وعالمٌ به سبحانه وتعالى وقادرٌ عليه وقادرٌ على كل شيء هذه عقيدة عظيمة يجب أن يلاحظها المسلم وأن يستحضرها دائما.

ولهذا؛ لقمان -أولا- دعا ابنه إلى ترك الشرك ونهاه عنه ومعنى هذا أنه يأمره بالتوحيد وبين له خطورة الشرك بالله ? إنَّ الشِّرك لَظُلْمٌ عَظيم ? ثم بين له عظمة الله تبارك وتعالى عظمة الله لألا يتخذ السفهاء معه أندادا وهذا بعد صفات كماله سبحانه وتعالى وإلا فلله الأسماء الحسنى ولا يحيط بها إلا هو (لا أُحْصِي ثناءً عليك أنتَ كمَا أثنيتَ على نفسكَ) ([3]) وأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام في مناجاته لربه أن لله أسماء أخرى قد يعطيها ويعلمها من يشاء من عباده وقد يستأثر بها.

(أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هو لك سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أو عَلَّمْتَهُ أَحَداً من خَلْقِكَ أو أَنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ) ([4]). عليه الصلاة والسلام؛ فهاتان الصفتان من صفات الله؛ القدرة على كل شيء، والعلم المحيط بكل شيء، فيجب على المسلم أن لا يغفل عن هذين الوصفين؛ العلم المحيط والقدرة الشاملة ويستحضر بقية أسماء الله وصفات كماله؛ فإنه كلما استحضر كمالات الله بصفاته وأسمائه كلما ازداد له هيبة وحياء وتعظيما وإجلالا وخوفا ورغبة ورهبة؛ كلما استحضر أسماء الله الحسنى وصفاته العليا كلما وجدت هذه المعاني والآثار الطيبة في نفسه، وهذا توفيق من الله؛ من أراد الله توفيقه منحه هذه الذاكرة الطيبة والمشاعر الطيبة النبيلة ? وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ? (الكهف 28) فنعوذ بالله من الغفلة والنسيان؛ الغفلة عن ذكر الله وذكر الله ليس باللسان فقط وإنما الغفلة عن استحضار عظمته وجلاله سبحانه وتعالى وقدرته

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير