تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد بين الله سبحانه أنه يرفع درجات أهل العلم؛ وما ذلك إلا لعظيم آثارهم في الناس، ونفعهم لهم. ولهذا قال أهل العلم: (ما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح آثار الناس عليهم)، فآثارهم بتوجيه الناس إلى الخير، وإرشادهم إلى الحق، وتوصيلهم للهدى، وهي آثار عظيمة شكرها الله لهم، وشكرها المؤمنون، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهم الهداة والدعاة، وهم أعلم الناس بالله وبشريعته، وأفضل الناس بعد الرسل وأتبعهم لهم، وأعلمهم بما جاؤوا به، وأكملهم دعوة إليه، وصبراً عليه، وإرشاداً إليه، قال جل وعلا: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [8]، وقال سبحانه وتعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ [9].

وبين عز وجل أن أهل العلم هم الذين يخشونه على الحقيقة والكمال، وإن كانت الخشية موجودة من المؤمنين عموماً ومن بعض الآخرين، ولكن خشية الله على الكمال والحقيقة للعلماء، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [10] يعني الخشية الكاملة.

والعلماء هم العارفون بالله وبأسمائه وبصفاته، وبشريعته التي بعث بها رسله، ولهذا قال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام لما قال له بعض الناس مستثقلاً العلم الذي أرشده إليه: لسنا مثلك يا رسول الله! قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: ((أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له)).

فالعلماء بالله وبدينه وبأسمائه وصفاته هم أخشى الناس لله، وأقوى الناس في الحق على حسب علمهم به، وعلى حسب درجاتهم في ذلك، وأعلاهم في هذا وأكملهم فيه هم الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهم أخشى الناس لله، وأتقاهم له، وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان فضل العلم، وتكاثرت في ذلك. فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) خرجه مسلم في صحيحه رحمه الله، فهذا يدلنا على أن طلاب العلم على خير عظيم، وأنهم على طريق نجاة وسعادة لمن أصلح الله نيته في طلب العلم، وابتغى به وجه الله عز وجل، وقصد العلم لنفس العلم وللعمل، لا لأجل الرياء والسمعة، أو لأجل مقاصد أخرى من المقاصد العاجلة، وإنما يتعلمه لمعرفة دينه، والبصيرة بما أوجب الله عليه، وليسعى في إخراج الناس من الظلمات إلى النور، فيعلم ويعمل، ويعلم غيره من المقاصد الحسنة التي أمر المسلم بها، فكل طريق يسلكه في طلب العلم فهو طريق إلى الجنة، ويعم ذلك جميع الطرق الحسية والمعنوية، فسفره من بلاد إلى بلاد أخرى، وانتقاله له من حلقة إلى حلقة، ومن مسجد إلى مسجد بقصد طلب العلم، فهذا كله من الطرق لتحصيل العلم، وهكذا المذاكرة في كتب العلم والمطالعة والكتابة كلها من الطرق أيضاً. فجدير بالطالب أن يعنى بجميع الطرق الموصلة إلى العلم، وأن يحرص عليها قاصداً وجه ربه عز وجل، يريد الله والدار الآخرة، يريد أن يتفقه في دينه وأن يتبصر به، يريد أن يعرف ما أوجب الله عليه وما حرم عليه، يريد أن يعرف ربه على بصيرة وبينة ثم يعمل بذلك، يريد أن ينقذ الناس، ويكون من دعاة الهدى، وأنصار الحق، ومرشداً إلى الله على علم وهدى، فهو حيثما تصرف على خير عظيم بهذه النية الصالحة حتى نومه من طرق الجنة، إذا نام ليتقوى على طلب العلم، وأداء الدرس كما ينبغي، ليتقوى على حفظ كتاب في العلم؛ ليتقوى على السفر في طلب العلم، فنومه عبادة، وسفره عبادة، وتصرفاته الأخرى بهذه النية عبادة، بخلاف من ساءت نيته فهو على خطر عظيم، جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة)) رواه أبو داود رحمه الله بإسناد جيد. وهذا وعيد عظيم لمن ساءت نيته، وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو ليماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه فالنار النار)). وتعلم العلم يكون بمعرفته والعمل به لله، لأن الله أمر بذلك، وجعله وسيلة لمعرفة الحق، وجاء في الحديث الصحيح: ((أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة: منهم الذي طلب العلم وقرأ القرآن لغير الله ليقال: هو عالم،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير