تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما ما جرى من الاختلاف بين أهل العلم في المذاهب الأربعة وغيرها، فالواجب أن يؤخذ منه ما هو أقرب إلى الصواب، وهو القول الذي هو أقرب إلى ما قاله الله ورسوله نصاً أو بمقتضى قواعد الشريعة. فإن الأئمة المجتهدون إنما هدفهم ذلك، وقبلهم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم الأئمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم أعلم الناس بالله وأفضلهم وأكملهم علماً وخلقاً. فقد كانوا يختلفون في بعض المسائل ولكن دعوتهم واحدة، وطريقهم واحد، يدعون إلى كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهكذا من بعدهم من التابعين، وأتباع التابعين كالإمام مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وغيرهم من أئمة الهدى: كالأوزاعي والثوري وابن عيينة وإسحاق بن راهويه، وأشباههم من أهل العلم والإيمان، دعوتهم واحدة، وهي الدعوة إلى كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا ينهون أتباعهم عن تقليدهم ويقولون: (خذوا من حيث أخذنا) يعنون من الكتاب والسنة.

ومن جهل الحق وجب عليه أن يسأل أهل العلم المعروفين بالعلم والفضل، وحسن العقيدة والسيرة، ويتبصر في ذلك مع تقدير العلماء، ومعرفة فضلهم، والدعاء لهم بمزيد من التوفيق وعظيم الأجر؛ لأنهم سبقوا إلى الخير العظيم، وعلموا وأرشدوا، وأوضحوا الطريق، فرحمة الله عليهم، فلهم فضل السبق، وفضل علمهم ودعوتهم إلى الله من الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان. فيعرف لهم قدرهم وفضلهم، ويترحم عليهم ويتأسى بهم في النشاط في العلم والدعوة إلى الله، وتقديم ما قاله الله ورسوله على غيره، والصبر على ذلك، والمسارعة إلى العمل الصالح، يتأسى بهم في هذه الفضائل العظيمة، ويترحم عليهم، ولكن لا يجوز أبداً أن يتعصب لواحد منهم مطلقاً، وأن يقال قوله هو الصواب مطلقاً، بل يقال كل واحد قد يخطئ ويصيب، والصواب فيما وافق ما قاله الله ورسوله، وما دل عليه شرع الله من طريق الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، فإذا اختلفوا وجب الرد إلى الله ورسوله، كما قال سبحانه وتعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [11]، وقال عز وجل: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [12] هكذا قال أهل العلم قديماً وحديثاً.

ولا يجوز أبداً التعصب لزيد أو عمرو، ولا لرأي فلان أو علان، ولا لحزب فلان أو الطريقة الفلانية، أو الجماعة الفلانية، كل هذا من الأخطاء الجديدة، التي وقع فيها كثير من الناس.

فيجب أن يكون المسلمون هدفهم واحد، وهو اتباع كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام في جميع الأحوال، في الشدة والرخاء، في العسر واليسر، في السفر والإقامة، وفي جميع الأحوال، وعند اختلاف أهل العلم ينظر في أقوالهم، ويؤيد منها ما وافق الدليل من دون تعصب لأحد من الناس.

أما العامة وأشباه العامة فيسألون أهل العلم، ويتحرون في أهل العلم من هو أقرب إلى الخير وأقرب إلى السداد والاستقامة، يسألونه عن شرع الله، وهو يعلمهم بذلك ويرشدهم إلى الحق حسب ما جاء في الكتاب والسنة، وأجمع عليه أهل العلم.

والعالم يعرف بصبره وتقواه لله، وخشيته له سبحانه وتعالى، ومسارعته إلى ما أوجب الله ورسوله، وابتعاده عما حرم الله ورسوله. هكذا يكون العالم سواء كان مدرساً أو قاضياً أو داعياً إلى الله، أو في أي عمل، فواجبه أن يكون قدوة في الخير، وأن يكون أسوة في الصالحات، يعمل بعلمه ويتق الله أين ما كان، ويرشد الناس إلى الخير؛ حتى يكون قدوة صالحة لطلابه، ولأهل بيته ولجيرانه ولغيرهم ممن عرفه، يتأسون به بأقواله وأعماله الموافقة لشرع الله عز وجل.

وعلى طالب العلم أن يحذر غاية الحذر من التساهل فيما أوجب الله، أو الوقوع فيما حرم الله، فإنه يُتأسى به في ذلك، فإذا تساهل تساهل غيره، وهكذا في السنة والمكروهات، ينبغي له أن يحرص على تحري السنن، وإن كانت غير واجبة ليعتادها وليتأسى الناس به فيها، وأن يبتعد عن المكروهات والمشتبهات حتى لا يتأسى به الناس فيها.

فطالب العلم له شأن عظيم، وأهل العلم هم الخلاصة في هذا الوجود، فعليهم من الواجبات والرعاية ما ليس على غيرهم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير